languageFrançais

لماذا أصبحت العائلات التونسية تهرب إلى المدارس الخاصة ؟

أصبح التعليم الخاص في تونس_ بالرغم من ارتفاع كلفته_ يستقطب تلاميذا من أبناء الطبقة المتوسطة بعد أن كان حكرا في السابق على طبقة اجتماعية معينة. هذا النزوح المتواصل نحو التعليم الخاص يفسّره أولياء ومدرسون ومختصون في الشأن التربوي بالمشاكل التي أصبحت تعانيها المدرسة العمومية والمرتبطة أساسا بضعف إمكانيات الوزارة واهتراء البنية التحتية وتواصل تدني جودة التعليم وضعف المناهج البيداغوجية وعدم ملاءمتها للتحولات الاقتصادية والصراعات والتوترات الحاصلة بين نقابات التعليم وسلطة الإشراف.

بحسب الدكتور محرز هاني الباحث في الشأن التربوي ،فإن ظاهرة الهروب نحو التعليم الخاص استفحلت في تونس بعد تاريخ 17 ديسمبر 2010  وبروز جملة من السلوكيات والظواهر التي انعكست سلبا على أداء المواطن التونسي سواء كان ذلك داخل المؤسسة التربوية أو في مختلف القطاعات. 

شرّ لا بد منه

يقول محرز هاني لموزاييك ''دون شيطنة العمل النقابي إلا أن القطاع التربوي شهد منذ فترة 2010 إلى اليوم العديد من الصدامات بين سلط الإشراف المتعاقبة على وزارة التربية وبين القطاعات المشتغلة داخل المنظومة التربوية بشكل عام وخاصة في قطاعي التعليم الأساسي والثانوي وصولا إلى ما يمكن تسميته بتغوّل النقابات ..حتى أصبح التلميذ أداة للدفاع عن الأساتذة وأداة ابتزاز لمساومة سلط الإشراف وهذا ما انعكس على التلميذ بشكل عام وأدى إلى تفكير عديد الأولياء في التوجه نحو المدرسة الخاصة التي أصبحت شرا لا بد منه.'' 

ويؤكد الدكتور محرز هاني أن العديد من العائلات ارتأت التوجه نحو المدرسة الخاصة في ظل تتالي الإضرابات وحجب الأعداد وعدم الاستمرارية والانقطاعات المتكررة للدروس. حيث أدت هذه الوضعية إلى فقدان التلميذ والولي الثقة في المدرسة العمومية التي قدمت العديد من الأسماء اللامعة والرائدة عالميا .

وأشار محرز هاني إلى ان المدرسة العمومية أصبحت تعيش اليوم العديد من الظواهر التي بإمكانها أن تؤدي إلى انهيار المنظومة التربوية على غرار الانقطاع المدرسي والعنف وانتشار المخدرات وأصبحت القيمة الاخلاقية في حد ذاتها محل تساؤل. 

ويرى الباحث في الشأن التربوي أن العائلة التونسية مازالت تنتصر للتعليم كشكل من أشكال الارتقاء الاجتماعي رغم ما شاب هذه القناعة من تساؤلات مضيفا بأن الطرف النقابي لم يكن له من المرونة التي تؤدي إلى حلحلة الأوضاع لدرجة أن المواطن التونسي بالرغم من ارتفاع كلفة المعيشة وانهيار سعر صرف العملة الوطنية واهتراء المقدرة الشرائية يلجأ للاقتراض والتداين حتى يتمكن من إلحاق ابنه بالمؤسسة التربوية الخاصة، خاصة بعد أن شهدت السنوات الأخيرة اضرابات متتالية ولم يعد التلميذ يدرس بصفة مسترسلة لمدة شهرين .

أزمة هيكلية في المدرسة العمومية

في المقابل ،يرفض كاتب عام جامعة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي الطرح المتعلق بتعطل الدروس مؤكدا أن العالم كله يشهد إضرابات مصرّحا بأن تحميل مسؤولية تدهور التعليم العمومي للنقابات الشجرة التي يراد من خلالها إخفاء الغابة. 

ويؤكد اليعقوبي أن واقع أزمة المدرسة العمومية لا يمكن اختزالها في العلاقة المتوترة أحيانا بين الوزارة والنقابات بل هي أزمة هيكلية حقيقية. 

مدرسة عمومية منتجة لليأس

وأشار كاتب عام جامعة التعليم الثانوي إلى أن إصلاح المدرسة العمومية وتحويلها من مدرسة تنتج اليأس في ظل عشرات الآلاف من الخريجين سنويا دون سوق شغل تستوعبهم إلى مدرسة متلائمة مع سوق الشغل ويعيدها من جديد إلى مصعد اجتماعي. 

وحسب اليعقوبي فإن الولي الذي يتوجه إلى التعليم الخاص غايته ضمان النجاح لابنه والدراسة  ضمن شعب تضمن له مكانا في سوق الشغل. 

ينفر منها الولي قبل التلميذ

عضو الائتلاف التربوي التونسي سلوى العموري أكّدت لموزاييك أن المدرسة العمومية لم تعد جاذبة بل أصبح ينفر منها الولي  قبل التلميذ .

وأرجعت العموري تدهور وضعية المدرسة العمومية إلى الانتدابات الهشة التي أثرت على مردودية المعلمين مشيرة إلى أن المعلم النائب لا يتحصل على أجره إلا بعد مرور عدة أشهر.   

وبينت عضو الائتلاف التربوي أن الانتدابات الهشة تسببت في هروب الأولياء إلى التعليم الخاص وأصبحت المدرسة الخاصة جاذبة أكثر مشيرة إلى أن العديد من الأولياء يلجؤون إلى الحصول على قروض لإلحاق أبنائهم بالتعليم الخاص حتى على حساب قوتهم وضروريات حياتية أخرى. 

وبحسب سلوى العموري فإن ضعف إمكانيات وزارة التربية أدى إلى الوضعية الكارثية التي يعيشها المربي و البنية التحتية المهترئة التي تشهدها العديد من المدارس إضافة إلى البرامج التعليمية التي لم تعد مواكبة للتطورات .وأشارت في هذا الصدد إلى أن العديد من الدول أصبحت تعتمد على اللوحات الالكترونية في المدارس وتخلت عن العدد الكبير من الكتب والكراسات في مستويات تعليمية معينة. 

كريم وناس