في عالم مليء بالضغوط.. هكذا تستعيد توازنك النفسي

في عالم مليء بالضغوط.. هكذا تستعيد توازنك ...

لم تعد الحياة كما كانت، هادئة ومتزنة. صارت وتيرتها أسرع وضغوطها أكبر. بين متطلبات العمل التي لا تنتهي، والتزامات العائلة، والمطالب الشخصية التي تتراكم، قد تجد نفسكَ في دوامة لا تهدأ.. يُصبح التوتّر رفيقك اليومي والقلق ضيفك الدائم، واللحظات الهادئة تكاد تكون منعدمة..

ففي خضمّ هذا الزخم، يبرز سؤال جوهري: كيف يُمكننا أن نُحافظ على توازننا الداخلي وسط كلّ هذا الاضطراب؟ كيف نعيش بسلام في عالم لا يعرف السكون؟..

التوازن النفسي.. سرّ الحياة الهادئة

بدايةً يُقصد بالتوازن النفسي في علم النفس بأنّه أحد مستويات الصحة النفسية التي من المهم أن يحصل يُحقّقها الفرد ويعيش فيها. ويتطلب التوازن النفسي  أمرين وهما السعادة والرضا، وعند وصول المرء إلى هذه المرحلة؛ فإنه يصل إلى حالة ديناميكية نادرة تمتزج فيها مزايا السعادة والرضا، وبالتالي يشعر بالاستقرار النفسي.

 

ويتمثل التوازن النفسي بقدرة المرء على تقدير ذاته، فمن يعرف قيمة قدراته ومواهبه، وهناك العديد من الطرق والسلوكيات التي تعد جزءًا لا يتجزأ من رحلة الوصول إلى التوازن النفسي الذي يساهم في قدرة الإنسان على تجاوز مشكلاته وتحديته.

ويلزم الفرد اتّخاذ مجموعة من الخطوات الفعّالة التي تُعزّز التوازن والرفاهية النفسية. فالحياة المتزنة لا تُبنى على خلوّها من المشاكل، بل على وعينا بكيفية مواجهتها بثبات. والتوازن النفسي لا يعني أن تكون دائمًا بخير، بل أن تعرف كيف تعود إلى نفسك كلّما اختلّت الأمور.

√ افهم مصدر التوتر أولًا

لا يُمكنك معالجة ما لا تفهمه، لذلك أوّل خطوة نحو الحفاظ على توزانك النفسي هي أن تتوقّف قليلًا وتسأل نفسك: ما الذي يرهقني؟ هل هو ضغط العمل؟ العلاقات؟ التوقّعات الكبيرة؟ أم تراكم المهام؟..

في كثير من الأحيان، لا يكون التوتر نابعًا من موقف واحد، بل من تراكمات متتالية لم نمنحها الانتباه الكافي. وحين تتعرّف إلى مصدر الضغط، تستطيع أن تتعامل معه بوعي، بدل أن تبقى في حالة استنزاف مستمر دون إدراك السبب الحقيقي.

 

دوّن كلّ ما يشعرك بالضغط ليومين متتاليين، ثم راجع هذه القائمة. ستتفاجأ أحيانًا أن ما يشغلك ليس بالحجم الذي تظنه، أو أنه قابل للحل ببضع خطوات بسيطة.

 

لو أنّنا نتأمل المواقف والتجارب التي نمر بها لفقهنا الحياة جيّدا،

ولتمكنا من السيطرة على الاختلالات التي تشوهها، ولكُنَّا أكثر وعيا وإدراكا

 

لذلك، فإنّ واحدة من أهم ركائز التوازن النفسي هو فهم الإنسان لحقيقة أنّ هناك عاملا نفسيا قد يؤدي اختلاله إلى تغيير أداء الإنسان في مختلف نواحي حياته. حيث يعزى هذا العامل النفسي غالبًا إلى الضغوط الحياتية والقلق، أو حتى الاكتئاب. وفهم هذه الحقيقة يُساعد الإنسان على التحكم في تفاعلاته العاطفية وفهم العوامل التي تُؤثّر على حالته النفسية.

√ ضع حدودا.. وتعلّم قول 'لا'

في عالم متسارع، الكلّ يريد شيئًا منك: مديرك وزملاؤك وعائلتك، وحتّى هاتفك الذكي، والحقيقة البسيطة هي أنّه لا يمكنك أن تكون متاحًا للجميع طوال الوقت.

لذلك، يبدأ التوازن حين تدرك أنّك لست مُجبرًا على تلبية كلّ طلب أو خوض كل معركة. وقول "لا" لا يعني قسوة أو أنانية، بل احترامًا لنفسك ولوقتك ولطاقتك المحدودة. وعدم قول لا في الأوقات التي لا ترغب فيها بالقيام بشيء ما، قد يأتي بسعر مكلف للغاية، سعر يمكن أن يؤثر على صحتك النفسية ذاتها.

 

ويُنصح باختيار وقت ثابت في اليوم يكون لك وحدك، دون إشعارات ومكالمات ومطالب. حتى لو كان 20 دقيقة فقط، اجعلها مقدسة لنفسك فقط.

 

السعادة لا تأتي من الخارج، بل تنبع من داخل الإنسان..

عندما يعتني الفرد بنفسه عاطفيًا ونفسيًا، يجدها في كل جوانب حياته

- د واين داير -

 

تعلّم أيضا التعبير عن غضبك عندما يكون بدلًا من تركه يتراكم. ويمكنك الاستفادة من تمارين التنفس الباعثة على الاسترخاء، أو تمارين اليوجا، أو التأمل. 

√ تحرّك.. فالجسد المتعب لا يُقاوم الضغط

الضغوط ليست عقلية فقط، بل جسدية أيضا. وحين يتراكم القلق، يتأثّر الجسد، فتنقبض العضلات ويضطرب النوم، ويتسرّب الإرهاق في كلّ تفاصيلك.

والحلّ ليس معقّدًا كما نظن: عليك بالحركة، فالمشي وممارسة الرياضة، حتّى الرقص في غرفتك، كلّ هذا يساعدك في تصريف التوتّر من جسدك، ويُحرّر المساحة العقلية للتفكير بهدوء.

 

لذلك، خصّص على سبيل المثال 15 دقيقة من يومك، لأيّ نشاط حركي تحبه، واجعلها موعدا ثابثا مع نفسك، ليس لإنقاص الوزن، بل لإعادة ضبط إيقاع الحياة.

وخصّص بعض الوقت من كل يوم للاستمتاع بشيء تحب القيام به حقًا. كن بسيطًا واضحك فالضحك يعيد شحنك بالطاقة. يُمكنك أيضا تعلّم مهارة جديدة أو ضع هدفًا صعبًا. جرب شيئًا جديدًا، أو الزم نفسك بهدف يتعلق باللياقة البدنية أو الطعام الصحي، أو تعلم طهي أكلات جديدة، أو تعلم مهارة جديدة من مهارات الحاسوب. فإن من شأن التعلم أنه يحسن لياقتك الذهنية.

√ خفّف الضجيج الرقمي..

هاتفك يرنّ والإشعارات تتدفق والأخبار سيئة تتكرر ومقارنات لا تنتهي على مواقع التواصل..  وسط هذا الضجيج، تضيع المسافة بينك وبين ذاتك، ويزداد التوتر دون أن تُدرك. فالهدوء لم يعد يأتي من الخارج، بل يجب أن تصنعه بنفسك. 

أغلق هاتفك ولو لبعض الوقت، ليس هروبا بل استعادة للسيطرة على انتباهك ووقتك وراحتك، واختر ساعة واحدة في اليوم تكون بلا شاشات، ساعة تصمت فيها كلّ الأجهزة لتتكلم فيها روحك، أو تقرأ، أو تتأمل، أو فقط لا تفعل شيئًا..

 

النوم كذلك مهم، باعتبار أنّه يُجدد نشاطك الذهني والبدني. لذلك احرص على النوم لمدة لا تقل عن 7 ساعات يوميًا. واذهب إلى الفراش واستيقظ في موعد منتظم يوميًا واغلق هاتفك وحاسبوك قبل موعد نومك بساعة. 

√ أنت لست وحدك..

في كثير من الأحيان، نحاول أن نتحمّل كلّ شيء بمفردنا، وكأنّنا مطالبون أن نظهر أقوياء طوال الوقت. لكنّ الحقيقة أنّ الإنسان كائن اجتماعي، وطلب الدعم ليس ضعفا، بل شجاعة.

سواء كان الحديث مع صديق مقرّب، أو اللجوء إلى مختص نفسي، أو مجرد فضفضة بسيطة، فإنّ مشاركة ما نشعر به تُخفف العبء وتفتح أبوابًا للحلول، لذلك اختر شخصًا ترتاح له واطلب الحديث، ليس لتقديم حلول، بل فقط ليسمعك. ففي بعض الأحيان، مجرد أن تُسمَع، يُعيد إليك شيئًا من التوازن.

والإنسان لم يُخلق  ليعيش وحيدا، فمن الضروري أن يكوّن جماعات وأصدقاء تبدأ من الأسرة، وتنتهي بالمجتمع على وجه العموم، ولهذا فإنّ وجود علاقات جيّدة إمّا أصدقاء أو زملاء عمل وغيرها، جميعها طرق جيدة للوصول إلى الاستقرار والتوازن النفسي.

 

إذن، التوازن النفسي ليس أن نبتسم طول الوقت، ولا أن نخلو من الخوف أو الحزن، بل أن نبلغ حالة من الوعي العميق بذواتنا، نرى فيها تقلباتنا بعين الرضا لا القسوة، وأن نتقبل أنفسنا كما نحن، بضعفها وقوتها، وأن نمدّ لها يد الحنان بدلًا من سياط اللوم.

والتوازن النفسي هو أن نحمل في داخلنا مساحة من السكينة، مهما اشتدّ الخارج اضطرابًا. أن نغضب دون أن نجرح، أن نحزن دون أن ننهار، وأن نتألم دون أن نفقد المعنى، وأن نمتلك مرونة القلب، فلا تكسرنا العواصف، بل نتمايل معها حتى تمر.

التوزان النفسي هو أيضا أن نبني علاقاتنا من منبع اكتفاء داخلي، لا من فراغ نطلب فيه الامتلاء. وأسمى تلك المراتب، أن نصل إلى سلامٍ داخلي، نصغي فيه لصوتنا الحقيقي، ونمشي بثبات وسط الضجيج، لأننا ببساطة، نعرف من نكون.

لكن يجب الانتباه إلى أنّ الطرق المذكورة لا تُعدّ علاجية للأشخاص الذين يُعانون من الاضطرابات النفسية الشديدة، مثل: الاكتئاب، وانفصام الشخصية والذهان، وغيرها.

* أمل مناعي

شارك:

تطبيقات

    تابعونا

    rss