طفلك يعاني من سوء التغذية؟ الجوع ليس السبب الوحيد!
سوء التغذية لدى الأطفال من أبرز المشكلات الصحية التي تُهدّد نموّهم الجسدي والعقلي، وهي ليست مجرّد حالة ترتبط بالمجاعات أو ندرة الطعام كما يُخيَّل للكثيرين.
فقد يُصاب به طفل يعيش في بيت ممتلئ بالمؤونة، ويتناول وجباته بانتظام. إنّه اختلال صامت قد لا يُلاحظه الأهل في بدايتها، حيث يبدأ بلا علامات واضحة، لكن آثاره تمسّ النموّ، التركيز، والمناعة. ولكلّ علامة حكاية تُخبرك أنّ جسم طفلك لا ينمو كما ينبغي.
فما هي أنواع سوء التغذية؟ ما مخاطرها؟ والأهم، كيف تواجهها لتمنح طفلك فرصة حقيقية لنموّ سليم وحياة صحية؟..
التغذية السليمة في أوّل عاميْن: حجر الأساس لصحة الطفل
تعد التغذية السليمة خلال مرحلة الطفولة المبكرة أساسًا حيويًا لضمان النمو والتطور السليم للأطفال. فالأطفال بحاجة إلى أغذية ملائمة في الوقت الملائم لكي ينموا ويتطوروا ويحققوا كامل إمكاناتهم.
وتشكل الـ 1,000 يوم الأولى، التي تبدأ من مرحلة الحمل وتستمر حتى بلوغ الطفل سن الثانية، الفترة الأكثر أهمية بالنسبة للتغذية الجيدة، حيث تؤثر هذه المرحلة بشكل كبير على صحة الطفل ومستقبله.
وفي أول سنتين من حياة الطفل، تمثل الرضاعة الطبيعية عنصرًا حيويًا لحماية الأطفال من الأمراض وتعزيز نمو أدمغتهم، حيث توفر لهم مصدر غذاء آمن وغني بالعناصر الأساسية. وتشير التوصيات العالمية من اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية إلى أهمية الرضاعة الطبيعية الحصرية خلال الستة أشهر الأولى من حياة الطفل، وتؤكد على ضرورة استمرارها حتى سن الثانية أو ما بعدها. هذه الرضاعة ليست فقط غذاء، بل هي أيضًا درع واقٍ يعزز مناعة الطفل ويساهم في بناء صحة قوية.

ومع بلوغ الطفل سنّ الستة أشهر، ينبغي أن يبدأ بتناول أغذيته الأولى التي تكمل الرضاعة الطبيعية. يوصى بأن تكون الوجبات الأولى للأطفال غنية بالمغذيات ومتنوعة من مختلف مجموعات الغذاء، مثل الخضروات والفواكه والبروتينات والكربوهيدرات الصحية. من المهم أن يحصل الطفل على الغذاء بانتظام وبكميات كافية طوال اليوم، مع مراعاة أن يتم تقديم الطعام بطريقة نظيفة وصحية، باستخدام أيدٍ نظيفة وأطباق معقمة.
وتعتبر المتابعة الدقيقة لما يأكله الطفل والاهتمام بمواعيد الطعام من العناصر الأكثر أهمية في هذه المرحلة. يجب على مقدمي الرعاية أن يتفاعلوا مع الطفل عند شعوره بالجوع، استجابةً للإشارات التي يبديها الطفل، لضمان توفير احتياجاته الغذائية بشكل منتظم وصحي.
بذلك، يمكن القول إن فترة ما قبل سن السنتين هي الأكثر أهمية في تحديد العادات الغذائية السليمة، والتي تلعب دورًا كبيرًا في تحسين صحة الطفل والوقاية من مشاكل سوء التغذية في المستقبل.
الجوع ليس السبب الوحيد لسوء التغذية..!
عندما يُذكر "سوء التغذية"، يتبادر إلى الذهن غالبًا صورة طفل جائع يُعاني من الهزال ونقص الوزن، ولكن الحقيقة أنّ سوء التغذية لا يعني فقط نقص الغذاء، بل يشمل أيضًا سوء التوازن الغذائي وحتّى الإفراط في التغذية. فهو إنّه حالة صحية خطيرة تحدث عندما لا يحصل الجسم على ما يكفي، أو يحصل على أكثر مما يحتاج، من العناصر الغذائية الأساسية، ما يؤثر سلبًا على النمو والتطور، ويؤدّي إلى مشاكل صحية قد تكون خفية أو مزمنة.
ويصنّف سوء التغذية لدى الأطفال إلى نوعين رئيسيين:
1. نقص التغذية: يفتقر الطفل خلاله للعناصر الغذائية التي تمده بالطاقة، مما يُؤثر سلبًا في نموه وتطوره الطبيعي، ويُقسم نقص التغذية لنوعين فرعيين تبعًا لنقص العناصر الغذائية المسببة له، وهما:
← نقص التغذية بالمغذيات الكبيرة: يُشير لافتقار الجسم بالكميات المناسبة من المغذيات الكبيرة، مثل: البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون.
← نقص التغذية بالمغذيات الدقيقة: يُشير لنقص في مستويات المغذيات الدقيقة، وهي: الفيتامينات، والمعادن.
2. الإفراط في التغذية: يحدث بسبب الحصول على العناصر الغذائية بمستويات تزيد عن الحاجة، مما يُمكن أن يُؤدي لمشكلات صحية مختلفة كالسمنة، ويُقسم الإفراط في التغذية لنوعين فرعيين، هما:
← الإفراط في التغذية بالمغذيات الكبيرة: يحدث ذلك بسبب الحصول على سعرات حرارية عالية من استهلاك المغذيات الكبيرة، وهي: البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون.
← الإفراط في التغذية بالمغذيات الدقيقة: يُشير إلى تناول جرعات زائدة من مكملات الفيتامينات والمعادن، والتي يمكن أن ينطوي عليها آثار صحية خطيرة.
إذن، كيف يُمكنك أن تعرف أنّ طفلك يُعاني من سوء التغذية؟
يظهر على الأطفال الذين يُعانون من سوء التغذية عدّة علامات وأعراض قد تختلف من طفل لآخر حسب نوع سوء التغذية. وتشمل الأعراض الشائعة:
• قلة النمو وانخفاض وزن الجسم.
• التعب الجسدي، وانخفاض مستوى الطاقة.
• التغيرات المزاجية، بما في ذلك التهيج، والقلق، ونقص الانتباه.
• تباطؤ النمو السلوكي والفكري، مما قد يؤدي إلى صعوبات التعلم.
• تساقط الشعر وترققه.
• تشقق وجفاف الجلد.
• ظهور بقع متغيرة اللون على الجلد.
• ضعف العظام.
• ضعف كتلة العضلات.
• انتفاخ البطن والساقين نتيجة انخفاض قوة عضلات البطن.
تُشير التقديرات في عام 2022 إلى وجود 149 مليون طفل دون سنّ الخامسة كانوا يعانون من التقزّم (قصيرو القامة جداً بالنسبة لعمرهم)، وإلى وجود 45 مليون طفل كانوا يعانون من الهزال (نحيفون جداً بالنسبة لطولهم) و37 مليون طفل آخر كانوا يُعانون من زيادة الوزن أو من المتعايشين مع السمنة..
- منظّمة الصحة العالمية -
الأسباب الرئيسية لسوء التغذية عند الأطفال
يحدث سوء التغذية عند الأطفال نتيجة أسباب وعوامل عديدة، وفيما يلي أبرزها:
× الفقر: يُعد الفقر أحد العوامل الرئيسية لنقص التغذية عند الأطفال، والذي يفتقرون خلاله الأطفال لكميات الطعام الصحي والمغذي اللازم للنمو والتطور.
× العادات الغذائية السيئة: يمتلك بعض الأطفال عادات غذائية سيئة أو مضطربة، مما يجعلهم معرضون لخطر سوء التغذية. وهذا يشمل الأطفال الذين يصعب إرضاء رغباتهم في الأكل، أو الذين يفرطون في تناول الطعام، أو الذين يتناولون الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية بانتظام.
× أمراض الجهاز الهضمي: تُؤثر أمراض الجهاز الهضمي في عملية الهضم وامتصاص الطعام بفعالية لدى الأطفال، مما يزيد من خطر سوء التغذية، ومنها: مرض كرون، ومرض التهاب الأمعاء، والتليف الكيسي، والتهاب القولون التقرحي. كما يزيد الإصابة بأمراض أخرى، مثل: عسر البلع من خطر نقص التغذية بمرور الوقت.
أعراض سوء التغذية لدى الأطفال وطرق الوقاية منها (قناة العربي)
× الحالات النفسية: يمكن لبعض الحالات النفسية، بما في ذلك الاكتئاب، والقلق، أن تُقلل الشهية أو تزيدها، مما يُسبب سوء التغذية عند الأطفال.
× اضطرابات الأكل: يمكن أن تؤدي اضطرابات الأكل المختلفة إلى سوء التغذية ؛ إذ يمكن لفقدان الشهية العصبي أن يُحد من تناول الطفل للطعام، مما يُسبب نقص التغذية. بينما يُمكن أن يُسبب اضطراب نهم الطعام فرط التغذية، حيث يتناول فيه الطفل الطعام بشكل غير منضبط.
× سوء النظافة: يمكن أن تؤدي عادات النظافة السيئة إلى زيادة احتمالية الإصابة بالأمراض المعدية، مثل: الإسهال، وحالات العدوى المتكررة، الأمر الذي يُسبب سوء التغذية.
× الأمراض المزمنة: يمكن أن يُؤدي الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، مثل: السل، وسرطانات الأطفال، وأمراض القلب الخلقية، والشلل الدماغي، وفيروس نقص المناعة البشرية، وأمراض الكبد والكلى إلى نقص أو الإفراط في التغذية.
يتسبّب في ثلث الوفيات لدى الأطفال.. مضاعفات سوء التغذية
وفقا لبيانات منظّمة الصحة العالمية، فإنّ سوء التغذية يُؤدّي إلى ثلث الوفيات لدى الأطفال، مع أنّه نادرا ما يتم إدراجه كسبب رئيسي.
أما لجنة الأمم المتحدة الدائمة المعنية بالتغذية، فتقول إنّ سوء التغذية هو السبب الأول للأمراض على الصعيد العالمي.
يتسبّب نقص التغذية في ما يقارب نصف وفيات الأطفال دون سنّ الخامسة، وهي وفيات تقع معظمها في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
- منظّمة الصحة العالمية -
وتقدّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) أن التقزم يؤثر على 800 مليون شخص في العالم. وهذا الظرف بعد سن معين لا يعود قابلا للتعديل، أي حتى لو تحسن غذاء الطفل فإن نموه لن يستعاد أو يصل للمستوى الطبيعي.
ويتسبّب سوء التغذية كذلك في:
← تراجع النمو العقلي والجسمي لدى الأطفال.
← التقزم، الذي يصيب قرابة 147 مليون طفل لم يبلغوا سن المدرسة في الدول النامية.
← يعتبر سوء التغذية السبب الأول عالميا لمشاكل الدماغ والتخلف العقلي.
← سوء التغذية يقود لانخفاض الدخل بسبب تراجع المستوى الدراسي والتحصيل العلمي في المدرسة وضعف البنية الجسمية.
← يزيد سوء التغذية لدى الأطفال احتمال إصابتهم بالعدوى والالتهابات الرئوية والملاريا والإسهال والحصبة.
← إنجاب الأمهات الحوامل لأطفال منخفضي الوزن.
← الموت.

كيف يمكنك معالجة سوء التغذية لدى طفلك؟
سوء التغذية لدى الأطفال هو مشكلة صحية تؤثر على نموهم وتطورهم بشكل عام كما أشارنا إليه سابقا. لذلك، من المهم اتخاذ خطوات عملية لضمان تزويد الطفل بالغذاء المناسب الذي يحتاجه لنموه السليم. إليك بعض النصائح والإجراءات التي يمكنك اتخاذها لمساعدة طفلك في التغلب على سوء التغذية وتحقيق صحة أفضل:
√ ضع نظاما غذائيا متوازنا: من المهم وضع نظام غذائي مناسب لطفلك بالتعاون مع أخصائي التغذية لضمان تحسين النظام الغذائي وتلبية احتياجاته اليومية من العناصر الغذائية الأساسية. وتأكد من تنويع الأطعمة لتشمل جميع العناصر المهمة مثل البروتينات، الكربوهيدرات، المعادن، والفيتامينات.
√ أطعم طفلك العناصر الأساسية: يجب الحرص على تزويد الطفل بجميع العناصر الغذائية الأساسية مثل البروتينات، الكربوهيدرات، المعادن، والفيتامينات التي تساهم في نموه بشكل سليم.
√ استخدم المكملات الغذائية عند الحاجة: بعد إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة، يمكن أن يكون من المفيد إضافة المكملات الغذائية إذا كانت هناك حاجة لتعويض أي نقص في العناصر الغذائية الضرورية.
√ راقب الوزن ومؤشر كتلة الجسم: من الضروري متابعة وزن الطفل ومؤشر كتلة الجسم بشكل منتظم للتأكد من تطور نموه وصحته بشكل سليم. يُنصح أيضًا بمراقبة الوظائف الأساسية لجسم الطفل بشكل مستمر.
√ التغذية أثناء الرضاعة: إذا كنت تُرضعين طفلك، تأكدي من تناول الأطعمة المغذية التي تساعد جسمك على إنتاج كميات كافية من الحليب. يجب أن تضمني في نظامك الغذائي العديد من الثمار، الخضراوات، الحبوب المغذية، البروتينات، وأطعمة غنية بالكالسيوم مثل اللبن.
وأخيرًا، يُنصح باستشارة الطبيب أو أخصائي التغذية للحصول على نصائح ودعم متخصصين لضمان تحقيق أفضل النتائج لصحة طفلك.
وتذكّر دائمًا أنّ التغذية السليمة في سنوات الطفولة المبكرة هي الأساس لبناء صحة جيّدة لطفلك..
* أمل مناعي