الاخبار

هل الشعور بالإرهاق لا يُفارقك؟.. إنها 'متلازمة التّعب المزمن'

متلازمة التّعب المزمن

هل الإحساس بالتعب المستمر لا يُفارقك؟ هل تستيقظ صباحا وأنت متعب؟ هل تستقبل بداية الأسبوع وأنت مُرهق حتّى بعد العطلة؟ الشيء الذي يمنعك من القيام بمهامك اليومية البسيطة؟ فإن كانت جميع الإجابات 'نعم'، وإن كان هذا الإعياء يُلازمك منذ مدّة (6 أشهر فما فوق)، فأنت للأسف قد تكون تُعاني من ''متلازمة التعب المزمن''!

قبل الخوض في تفاصيل هذه المتلازمة، أسبابها، أعراضها، وكيفية التقليل منها، دعنا أولا نكتشف مفهوم هذه المتلازمة.

متلازمة التّعب المزمن.. ماهي؟

تعد متلازمة التعب المزمن (Chronic Fatigue Syndrome) حالة صحية مزمنة تتّسم بالشعور بالتعب الشديد الذي لا يختفي مع الراحة، وليس ناتجًا عن الإصابة بحالة صحية أخرى، ويمكن أن تؤثر هذه الحالة على العديد من أجهزة الجسم.

وتُعرف متلازمة التعب المزمن أيضا باسم التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضل (Myalgic Encephalomyelitis or ME) أو مرض عدم تحمل المجهود الجهازي (Systemic Exertion Intolerance Disease or SEID).

ويمكن أن تصيب كلا من الذكور والإناث، لكنها أكثر شيوعا بين النساء في سن الأربعينيات والخمسينيات من العمر.

متلازمة التعب المزمن يرافقها عادة انخفاض في القدرة على العمل، والانسحاب الاجتماعي، والشعور بالتعاسة. قد يكون سببها مجموعة من الأمراض، بما في ذلك فقر الدم، أمراض الغدة الدرقية، أمراض القلب، الأمراض المعدية، الأمراض الاستقلابية، السرطان، اضطرابات النوم، الاكتئاب، والإجهاد.

أرقام وإحصائيات حول انتشارها حول العالم

يُقدر أن متلازمة التعب المزمن تصيب ما بين 0.2% إلى 0.5% من سكان العالم، ففي الولايات المتحدة، يُقدر أن حوالي 836,000 إلى 2.5 مليون شخص يعانون من هذه الحالة. في حين في المملكة المتحدة، تشير التقديرات إلى أن حوالي 250,000 شخص مصابون بالمرض.

وغالبا ما يتم تشخيص المرض لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و50 سنة، ولكنه يمكن أن يصيب أي فئة عمرية، بما في ذلك الأطفال والمراهقين.

النساء أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة التعب المزمن مقارنة بالرجال، حيث تبلغ نسبة الإصابة لدى النساء حوالي 2 إلى 4 أضعاف نسبة الرجال.

ويعاني حوالي 25% من المرضى من أعراض شديدة تجعلهم طريحي الفراش أو غير قادرين على مغادرة منازلهم. ويعتبر هذا المرض سببا رئيسيا للغياب عن العمل أو الدراسة.

ويعاني العديد المصابين بهذه المتلازمة من تأخر في التشخيص، حيث يمكن أن يستغرق الأمر سنوات قبل الحصول على تشخيص دقيق، ولا يوجد حاليا علاج شاف للمرض، ولكن هناك تدابير لإدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة.

أسباب هذه المتلازمة لا يمكن حصرها أو معرفتها بصفة دقيقة، ولكن بحوث ودراسات عديدة تناولتها بالبحث، ارتكزت معظمها على العوامل الوراثية والمناعية والبيئية للمصاب، لكنها أجمعت جميعها تقريبا على أنّ التشخيص يتطلب تقييما شاملا من قبل أخصائيين، بما في ذلك التاريخ الطبي وفحوصات طبية، للمصاب لارتباط هذه المتلازمة بأمراض معينة ، فماذا يقول العلم؟

الأسباب

من المحتمل أن ترتبط متلازمة التعب المزمن إصابة الشخص بعدوى ما، حيث تبدأ الأعراض عند بعض الأشخاص بعد الإصابة بحالات تشبه الإنفلونزا، وهذا جعل الباحثين يشتبهون في أن الاصابة بهذه الأمراض قد تؤدي إلى حدوث المتلازمة، كذلك فإن حوالي واحد من كل عشرة أشخاص أصيبوا بالفيروسات الشبيه للانفلونزا بأنواعها بما فيها فيروس كورونا، يعاني من مجموعة من الأعراض تشبه أعراض متلازمة التعب المزمن.

متلازمة التّعب المزمن والكورونا.. ما العلاقة؟

توصلت دراسة جديدة إلى أنه بعد ستة أشهر أو أكثر من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، كان المشاركون أكثر عرضة بنحو 7.5 مرات لتلبية المعايير التشخيصية لمتلازمة التعب المزمن مقارنة بمن لم يصابوا بالعدوى، بحسب موقع Science Alert.

"تقدم نتائج الدراسة دليلا على أن معدل وخطر الإصابة بمتلازمة التعب المزمن في أعقاب الإصابة بفيروس سارس-كوف-2 قد ارتفع بشكل كبير"، تقول الباحثة سوزان فيرنون المتخصصة في مجال متلازمة التعب المزمن من مركز باتمان هورن في الولايات المتحدة، والتي قادت الدراسة.

قبل جائحة كوفيد عام 2020، قُدر العبء الصحي الناجم عن متلازمة التعب المزمن في الولايات المتحدة بأنه ضعف العبء الناجم عن فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). والآن بعد أن أثر فيروس كوفيد-19 على أكثر من 18 مليون بالغ، يتوقع بعض الباحثين أن العالم ربما يواجه تضاعف عدد حالات الإصابة بمتلازمة التعب المزمن في المستقبل القريب.

أسباب أخرى

كما يمكن أن يكون سبب حدوث متلازمة التعب المزمن هو تغير في الجهاز المناعي للشخص وطريقة استجابته للعدوى أو الإجهاد، حيث تشترك هذه المتلازمة في بعض سمات أمراض المناعة الذاتية. وكما تعد معظم أمراض المناعة الذاتية أكثر شيوعا لدى النساء وهو نفس الحال في متلازمة التعب المزمن، كذلك يتميز كلاهما بزيادة الالتهاب.

ويمكن أن يساهم اضطراب الجهاز المناعي في الإصابة بطرق أخرى، تشمل ما يلي:

الإنتاج المزمن للسيتوكينات: يمكن أن تؤدي المستويات المرتفعة من السيتوكينات لفترة طويلة إلى تغيرات في قدرة الجسم على الاستجابة للتوتر، وقد يؤدي ذلك إلى تطور بعض الحالات الصحية، مثل متلازمة التعب المزمن.

السيتوكينات إشارات كيميائية شبيهة بالهرمونات والنواقل العصبية، تستخدم للسماح لخلية بالتواصل مع الخلايا الأخرى، للسيتوكينات دور رئيسي في العمليات المناعية والتطور الجنيني. تتكون كلمة سيتوكين من شقين، الأول هو سيتو وتعني خلية، والثاني كين وتعني حركة، أي أنه محرك الخلايا

 

انخفاض فعالية الخلايا القاتلة الطبيعية: يعاني العديد من مرضى متلازمة التعب المزمن من خلايا قاتلة طبيعية ذات قدرة أقل على مكافحة العدوى، وكلما كانت وظيفة الخلايا القاتلة الطبيعية أضعف لدى هؤلاء المرضى، كلما زادت شدة الأعراض.

نتيجة ظهور بعض الأمراض: قد يعاني الأشخاص من الإرهاق نتيجة ظهور بعض الأمراض، ويمكن أن تسبب هذه الأمراض في الشعور بالتعب الشديد وتدوم معه هذه الحالة لأكثر من ستّة أشهر ما يعني ضرورة الاصابة بمتلازمة التعب المزمن، وفيما بعض الأمراض التي تسبب هذه الحالة هي كالتالي:

فقر الدم (الأنيميا): وهي مجموعة الأمراض التي يكون فيها التعب أكثر شيوعاً، إذا كان هناك نقص في الهيموجلوبين الذي ينقل الأكسجين، فقد يشعر الشخص بالتعب والضعف، وفي حالة حدوث مثل هذه الحالات، يجب على الشخص بالتأكيد مراجعة أخصائي وفحصه. وبناء على نتيجة للفحوصات اللازمة، يتم التخطيط لعملية العلاج والتخلص من حالة فقر الدم واختفاء الشعور بالتعب لدى الشخص.

أمراض الغدة الدرقية: تتسبب هذه الأمراض في شعور الأشخاص بالتعب والضعف الشديدين.

أمراض القلب: من أخطر أعراض قصور القلب هو الشعور بالتعب والضعف الذي يشعر به الشخص، فعندما تكون كمية الأكسجين المطلوبة في القلب أقل، قد يحدث التعب الشديد لدى الأشخاص.

الأمراض الاستقلابية: في حالات الفشل الكلوي والكبد، وفي حالات ارتفاع الكالسيوم وانخفاض البوتاسيوم، يكون انخفاض أملاح الدم والمعادن في الجسم عاملا في حدوث التعب، وعلاج مثل هذه الأمراض في المراحل المبكرة مهم جدا لصحة الشخص.

السرطان: يمكن لبعض أمراض الأورام أن تسبب التعب ويمكن أن تكون من بين الأعراض، نظرا لأن السرطان يعطل نظام الجسم لدى الشخص، فقد يحدث التعب لدى الشخص.

مشاكل النوم: يعد اضطراب النوم من أخطر المشاكل التي تقلل من جودة حياة الشخص، ويُعد انقطاع النفس أثناء النوم من أهم أسباب الإرهاق وقد يشعر الشخص الذي لا يستطيع الحصول على قسط كاف من النوم بالتعب الشديد في اليوم التالي.

الاكتئاب والإجهاد: تأتي الاضطرابات النفسية الجسدية مثل الاكتئاب في المرتبة الثانية بين الأمراض التي تسبب التعب، ويعاني الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب لأسباب نفسية والذين يعانون من الإجهاد الشديد من هذه الحالة.

الأعراض..

عديدة هي أعراض الإصابة بمتلازمة التعب المزمن، جسدية ونفسية، وتختلف من شخص إلى آخر، كما يمكن أن تختلف شدة الحالة من يوم إلى آخر، وبالإضافة إلى التعب الشديد كما سبق وذكرنا خلال تعريفنا للمتلازمة فإن من بين الأعراض الأخر نجد:

الأعراض الجسدية:

-الإنهاك الشديد بعد ممارسة الأنشطة البدنية أو الذهنية
-دوخة تزداد سوءا مع الانتقال من وضعية الاستلقاء أو الجلوس إلى الوقوف.
-ألم المفاصل أو العضلات
-طنين الأذن
-ارتفاع أو انخفاض في درجة حرارة الجسم
-مشكلات في الرؤية
-خفقان القلب، وآلام في الصدر
-تغيرات في الوزن
-تقلصات وآلام في العضلات
أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا
تضخم العقد الليمفاوية
تفاقم حدة أعراض الدورة الشهرية
ضعف الرغبة الجنسية

الأعراض النفسية:

-مشكلات في الذاكرة أو مهارات التفكير
-تغيرات في الإدراك
-اضطرابات النوم
-القلق والتوتر
-الشعور بالاكتئاب

قد يشعر بعض المصابين بهذه الحالة المرضية بألم عند لمس العُقَد اللمفية الموجودة في الرقبة أو تحت الإبطين، وقد تكون لدى المصابين بهذه الحالة حساسية زائدة تجاه الضوء والصوت والروائح والطعام والأدوية.

كما يمكن أن يعاني المصاب من تكسر الأظافر وتساقط الشعر، وكما سبق وذكرنا أعلاه التشخيص يتطلب تقييما شاملا من قبل أخصائيين. وقد يكون الإرهاق عرضا لأمراض كثيرة، ولذا يرجى زيارة الطبيب إذا كنت تشعر بالإرهاق بصورة مستمرة أو في حال زيادة حدته.

العلاج...

جيمس جونز، مختص في متلازمة التعب المزمن، يرى أن العلاج السلوكي يؤدي للتأقلم مع المرض، لا للشفاء منه، ووفقا لمعطيات جمعت من مركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة الاميركية (CDC), نصف المرضى يشفون بهذه الطريقة من المرض بعد 5 سنوات.

كما قدّر جونز أنّه ما بين 50 و60% من الـ350 مريضا الذين يصلون إلى عيادته في السنة الواحدة للإستشارة، يعانون من تشخيص مغلوط لمتلازمة التعب المزمن، مبينا أنّ أحد الأمور التي لا يقوم الاطباء بالإستفسار عنها هو عادات النوم، وما هو معنى التعب بالنسبة لكل مريض.

كما يؤكد المتحدث ذاته، على عدم نجاعة العلاج للمريض الذي يتم تشخيصه بشكل غير دقيق، كما أن السباق لإيجاد علاجات جديدة للمرض أسرع من وتيرة تراكم المعلومات وفهم المرض.

وأظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة JOURNAL OF THE AMERICAN MEDICAL ASSOCIATION نتائج إيجابية، تستند إلى العلاج السلوكي الذي يؤدي لتفكير إيجابي أكثر وعلى العلاج الذي يعتمد على الرياضة الجسدية التي يتم زيادتها بشكل تدريجي، مثل المشي أو السباحة أو ركوب الدراجة الهوائية أو الهرولة.

يرى الأطباء أنّ المعالجة البيتية على غاية الأهمية، ومنها:

-تغيير الجدول الزمني اليومي
-اكتساب عادات نوم أفضل
-ممارسة التمارين الرياضية بشكل معتدل وثابت 
-تلقي المشورة
-الحفاظ على التوجهات والروح الإيجابية يُساعد على التحسن
-علاج الأعراض بالأدوية

 

بغضّ النظر على ما سبق، وعن النظرية المختلفة التي يتبناها جيمس جونز، الذي يقوم بإجراء أبحاث بخصوص هذا المرض منذ 20 عاما، أجمع الباحثون في دراساتهم باختلافها، أنّه ليس هناك علاج محدد لمتلازمة التعب المزمن، لكن يُمكن معالجة الجزء الأكبر من أعراضها، وقد تتحسّن مع مرور الزمن عادة، ولكنَها قد تستغرق سنوات أو قد لا تزولُ بشكل كامل.

وفي الختام، يبقى طلب المساعدة وزيارة طبيب مختص لتشخيص الحالة أمر مهم جدا وضروري إذا لاحظت ظهور عدد من الأعراض المذكورة لمدة تجاوزت الستّة أشهر.

*أميرة عكرمي

شارك: