بين المنافع والأضرار.. كيف تُؤثّر القهوة على دماغك وجسمك؟

لا شيء يُضاهي اللحظة التي تبدأ فيها يومك مع فنجان من القهوة، حيث تملأ رائحتها الفضاء وتمنحك دفعة من النشاط والانتعاش. سواء كانت الإسبريسو في إيطاليا أو القهوة التركية في الشرق الأوسط.. من أسطورة الراعي الإثيوبي إلى المقاهي العصرية التي تملأ شوارع المدن.. تبقى القهوة رفيقا لا غنى عنه لدى الكثيرين، فهي مصدر لإلهام العقول، وسبب لتحفيز أحاديث طويلة..

القهوة تُزرع في أكثر من 50 دولة حول العالم

تبدأ حبّة القهوة الصغيرة رحلتها من وسط حبات الكرز الموجودة داخل نبتة القهوة، جاهزة للقطف. وعند دراسة أصول القهوة، من المهم معرفة أنّ للقهوة أصول متعددة ولا تأتي من مصدر أو دولة واحدة، حيث تنمو القهوة في أكثر من 50 دولة حول العالم، وتعرف هذه الدولة بـ "حزام القهوة". ويتضمن حزام القهوة أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا. وتتميز هذه المناطق بالمرتفعات والتربة والطقس المناسبين مما يوفر المناخ المثالي لزراعة أشهى أنواع القهوة.

وتستحوذ البرازيل على المرتبة الأولى بين أكبر الدول المصدرة للقهوة حول العالم، حيث تتجاوز قيمة صادراتها من القهوة 7 مليارات دولار أمريكي، وتليها سويسرا في المرتبة الثانية ثم ألمانيا في المرتبة الثالثة. وتُشكّل القهوة في هذه الدول قوة اقتصادية كبيرة، كما أنّها مصدر دخل للكثير من الأفراد أيضًا.

وللقهوة أنواع عديدة منها:

- قهوة أرابيكا أو القهوة العربية والتي تعد أكثر أنواع القهوة إنتشارا حول العالم.

- قهوة روبوستا

- القهوة منزوعة الكافيين.

- القهوة الحلوة أو القهوة التركية.

الدول الأكثر استهلاكا للقهوة / إحصائيات خاصّة بسنة 2022

القهوة وأسطورة 'كالدي'

تُحيط العديد من الروايات بأصل القهوة واكتشافها، حيث يُعتقد أنّ جذورها تعود إلى إثيوبيا، وتحديدا إلى منطقة تُدعى "كافا"، التي يُقال إنّ اسم القهوة اشتُق منها.

حيث تقول إحدى الأساطير الشهيرة إنّ راعي أغنام يُدعى "كالدي"، لاحظ أنّ قطيعه أصبح أكثر نشاطا وحيوية بعد تناول حبوب حمراء من شجرة معيّنة. بدافع الفضول، جرّب كالدي هذه الثمار بنفسه، ليشعر بدفعة من النشاط والتيقّظ. دفعه هذا الاكتشاف إلى إحضار الحبوب إلى أحد الرهبان، الذي اعتبرها في البداية "من عمل الشيطان" وألقى بها في النار. إلاّ أنّ الحبوب المحترقة أطلقت رائحة زكية جذبت انتباههم، فقاموا بسرعة بانتشالها من الجمر وسحقها، ثم غمروا المسحوق بالماء الساخن لحفظه. ومع أوّل رشفة من هذا المشروب، أدرك الرهبان أنّه يمنحهم اليقظة التي يحتاجونها للبقاء مستيقظين أثناء الصلوات الليلية.

المزارع كالدي وأغنامه واكتشاف نبتة القهوة

هذه القصّة قد تكون مجرد خيال، إذ لا يوجد دليل تاريخي موثق يدعمها. وفي الواقع، هناك ثلاث أساطير رئيسية تحكي لنا عن اكتشاف القهوة، لكلّ منها سياق مختلف ومكان مميّز. فبينما تروي قصة كالدي والغنم أنّ أصل القهوة يعود إلى إثيوبيا، هناك روايات أخرى تشير إلى أنّ اكتشافها حدث في اليمن. حيث يعتقد علماء أنّ نباتات القهوة البريّة نشأت في إثيوبيا، ولكن لم يُعرف تحميصها وتخميرها لأوّل مرّة إلاّ في اليمن في القرن الخامس عشر. ويقال إنّ الراهب الهندي "بابا بودان" في القرن السابع عشر، تمكّن من تهريب 7 حبات من البن في رحلة طويلة من اليمن إلى موطنه الأم، ليضع حينها حجر الأساس لانتشار القهوة عالميا.

كيف تُؤثّر القهوة على الدماغ والجسم؟

خلُصت دراسة أجريت عام 2019 على 80 شخصا، تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاما، إلى أنّ تأثير القهوة على الجسم يبدأ حتّى قبل أن تأخذ الرشفة الأولى من الفنجان، فبمجرد استنشاق رائحة القهوة المغلية يبدأ أثرها المنشط على العقل بالعمل، فتُحسّن الذاكرة وتُحفّز اليقظة.

وأظهرت دراسة أخرى أنّ الأشخاص أدّوا بشكل أفضل في اختبارات التفكير التحليلي بعد استنشاق رائحة القهوة، لكن الدراسة اقترحت أيضا أنّ هناك "جانبا وهميا" في التأثير يرتبط بمعرفة الدماغ مسبقا للمفعول المنشط للقهوة. لكن التأثير الحقيقي والقوي للقهوة يبدأ بعد 10 دقائق من تناولها، وتصل ذروة تركيز الكافيين في الدم بعد نحو 45 دقيقة، وفق تقرير لصحيفة "غارديان" البريطانية.

ويعمل الكافيين منشطا للجهاز العصبي المركزي، مما يجعلك أكثر انتباها وتركيزا، ويتعلق الأمر بمستقبلات "الأدينوزين" في جسدك، وهو مركب عضوي موجود بشكل طبيعي في الجسم ويساعد على تنظيم معدل ضربات القلب وتدفق الدم ودورات النوم والاستيقاظ، وعندما يرتبط الأدينوزين بهذه المستقبلات فإنّه يؤدّي إلى استجابات فسيولوجية تؤدّي لانخفاض النشاط، وغالبا ما يعزّز النعاس والنوم.

ويخدع الكافيين الموجود في القهوة خلاياك العصبية ويرتبط بها بدلا من ذلك، ويمنع الأدينوزين من القيام بعمله، وهذا يعزز اليقظة، فيما يسمح في الوقت ذاته للناقلات العصبية المحفزة للدماغ مثل الدوبامين بالعمل، مما يحفز العقل والجسد ويعدل المزاج، وفق تقرير "غارديان".

منافع القهوة

القهوة ليست مجرد مشروب يُمتع الذوق، بل تتمتّع أيضا بفوائد صحية تُؤثّر على جسمك وعقلك بشكل إيجابي.

حيث يُمكن أن تساعد القهوة في الوقاية من داء السكري من النوع الثاني. ووُجد أنّ تناول الكافيين يقلل بشكل كبير من الإصابة بمرض باركنسون. 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يُساعد الكافيين الموجود في القهوة في السيطرة على حركات الأشخاص المصابين بمرض باركنسون. فالكافيين هو دواء معروف يعمل على تنشيط الجهاز العصبي. وبمجرد دخوله إلى الجسم، يزيد من معدل ضربات القلب وضغط الدم، ويرفع مستويات الطاقة ويحسن المزاج.

وقد وجد باحثون إيطاليون أنّ استهلاك القهوة يقلل من خطر الإصابة بسرطان الكبد بنسبة 40 في المائة تقريباً. كما أظهرت بعض النتائج أنّه إذا كنت تشرب ثلاثة أكواب في اليوم، فإن المخاطر تقل بنسبة تزيد عن 50 في المائة. وقد تم التأكد من أن فوائد القهوة فعالة للغاية، خاصة بالنسبة للكبد.

ويُقلّل تناول القهوة بانتظام من خطر الإصابة بالتهاب الأقنية الصفراوية المصلب الأولي (PSC)، وهو مرض مناعي ذاتي نادر يصيب القنوات الصفراوية في الكبد.

كما يمكن أن يُقلّل شرب القهوة من الإصابة بتليف الكبد الناجم عن المشروبات الكحولية بنسبة 22%. وقد أشار الباحثون إلى أنّ شرب فنجانين أو أكثر من القهوة يوميًا يمكن أن يقلل من خطر الوفاة بسبب تليف الكبد بنسبة 66%.

إضافة إلى ذلك، فإنّ القهوة الخالية من الكافيين تقلّل من مستويات إنزيمات الكبد.

ورغم ذلك، يُنّبه العديد من الباحثين إلى أنّ فوائد القهوة، مثل العديد من الأشياء الأخرى، تعتمد على مقدار شرب القهوة.

أضرار القهوة

من أجل صحة جيّدة، يُنصح الخبراء بألاّ يزيد مقدار استهلاك البالغين من الكافيين يوميا على 400 ملليغرام، بما يعادل حوالي أربعة إلى خمسة أكواب من القهوة.

ويذهب البعض أحيانا إلى تجاوز هذا الحدّ من أكواب القهوة يوميا، وقد يأتي ذلك بآثار جانبية كالأرق، والقلق، وسرعة خفقان القلب، واضطراب المعدة، والغثيان والصداع.

ويُحذّر خبراء من إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية من آثار خطيرة نتيجة للإفراط في استهلاك الكافيين والزيادة على 1.200 ملليغرام يوميا، بما يُعادل 12 كوبا من القهوة.

أمّا في حال إضافة بعض المواد المنكهة مع القهوة، كالكريما أو الحليب التي تحتوي على اللاكتوز، فمن الممكن أن تحدث اضطرابات أو تشنجات في المعدة. ويعود السبب إلى عدم القدرة على هضم اللاكتوز مما قد يسبّب الانتفاخ والإسهال أيضا.

القهوة على معدة فارغة تُحفّز إفراز حمض الهيدروكلوريك

إضافة إلى ذلك، لا يُنصح بشرب القهوة في الصباح على معدة فارغة بسبب تحفيز إفراز حمض الهيدروكلوريك في المعدة، وهو حمض مخصص لهضم الطعام ويتم إفرازه في حال وجود طعام في المعدة. وفي حال تكرّر إفراز هذا الحمض من قبل جسمك استجابة لشرب القهوة فقد يُصبح هناك صعوبة في إنتاج كميات كافية منه للتعامل مع الوجبات الدسمة والكبيرة لاحقًا.

كما قد يُؤثر ذلك على هضم البروتينات بسبب عدم وجود كميات كافية من هذا الحمض لإتمام عملية هضمها، فينتقل البروتين إلى الأمعاء الدقيقة دون هضمه بشكل سليم، مما يُسبب مشاكل صحية عديدة، مثل:

-التلبكات المعوية والنفخة والغازات.

-أعراض القولون العصبي.

- رفع خطر الإصابة بسرطان القولون.

أخصائية التغذية مريم التوكابري تتحدّث عن منافع القهوة وأضرارها

متى يجب التوقّف عن شرب القهوة؟

يُنصح الأطباء، في حالات معيّنة، مستهلكي القهوة بالتقليل أو التوقّف عن شربها نهائيا، وذلك للحدّ من أضرارها. ومن بين هذه الحالات نذكُر:

- مرضى ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول.

- مرضى قرحة المعدة.

- المرضى الذين يُعانون من القلق، ومشاكل في النوم.

- المرأة الحامل.

- الأشخاص الذين يتناولون بعض الأدوية التي تتداخل في عملها مع تأثير القهوة، أو من الممكن أن تؤثر القهوة على امتصاصها.

- النساء في فترة انقطاع الطمث (الدورة الشهرية)، والأشخاص المصابين بهشاشة العظام، وكبار السنّ.

أمل مناعي