الزواويش تزقزق فوق الشجرة.. معرض يحتفي بالفنان الجزائري حميد زناتي
في لحظة تاريخية للفن المغاربي، افتُتح اليوم بمركز الفنون B7L9 في منطقة البحر الأزرق، المعرض الفني الشامل "الزواويش تزقزق فوق الشجرة"، احتفاءً بإرث الفنان الجزائري الكبير حميد زناتي، في أول معرض مكرس له في العالم العربي. والمبادرة أطلقتها مؤسسة كمال الأزعر، بالتعاون مع أرشيف حميد زناتي، وبدعم من معهد غوته، وتحت إشراف القيّمة نادين نور الدين، بمساعدة آنا شنايدر، وتصميم سينوغرافي للفنان بشير الرياحي.
المعرض الذي يستمر إلى غاية 20 جويلية 2025، يستحضر عبر عنوانه ذكريات الطفولة، حيث استُلهِم من نص مدرسي جزائري رافق البدايات الأولى لتعلم القراءة والكتابة. وهو ما يعكس البعد الحميمي لهذا المشروع، المتجذر في ذاكرة الفنان وتكوينه الوجداني.
نداء الذاكرة وإرث يُستعاد
في تصريحاتها الإعلامية، عبّرت نادين نور الدين، المؤرخة والقيّمة الفنية للمعرض، عن امتنانها العميق لمؤسسة كمال الأزعر، مشيدةً بدور لينا الأزعر في احتضان هذا المشروع الذي اعتبرته "أكثر من مجرد معرض، بل محاولة للقبض على الإنسان خلف الأعمال".
وأكدت أنها قامت بعمل بحثي معمق حول زناتي، حيث تواصلت مع أفراد من عائلته، معتبرةً أن التعرف على الحياة التي أنجبت هذه الممارسة الفنية لا يقل أهمية عن تحليل الأعمال نفسها.
وقالت نور الدين بأسى: "من المحزن أن حميد لم يُتح له أن يشهد هذا الإقبال الكبير وهذا التقدير المستحق. لقد علم بالمعرض الأول الذي أقيم له في ألمانيا، لكن المرض اختطفه قبل أن يدرك أن أعماله ستجوب بلدانًا أخرى، من بينها بريطانيا والآن تونس".
بين الذاكرة والعالم العربي.. رحلة اكتشاف متأخرة
أما صباح نيفر، مكلفة بالمعرض، فقد كشفت أن هذا المشروع انطلق من لقاء جمع بين لينا الأزعر وآنا شنايدر، التي أسست "مؤسسة حميد زناتي" لحفظ تراثه الفني.
وقالت نيفر: "لينا الأزعر التقطت أهمية التعريف بحميد زناتي ومنح أعماله رؤية حقيقية في العالم العربي. ومع تواصلنا مع آنا، اكتشفنا ثراء أعماله سواء من حيث الألوان أو الزخارف الأمازيغية أو الكتابات العربية.. فكل تفصيلة تنطق بثقافة متجذرة وهوية معاصرة".
ذاكرة العائلة.. فخر واعتراف بالجميل
وسيلة بجاوي، إحدى أفراد عائلة الفنان الراحل، عبّرت من جهتها عن مشاعر لا توصف: "منذ لحظة دخولي شعرت بقشعريرة... الأمر مؤثر للغاية. لم أجد الكلمات المناسبة، لكنني أشعر بفخر كبير. نحن كعائلة ممتنون للغاية لتونس التي منحت هذه الفرصة لحميد".
من قسنطينة إلى ميونيخ.. مسيرة فنان عصامي
ولد زناتي في قسنطينة، المدينة التي تبدو معلقة في الضوء الجزائري، وهاجر إلى ألمانيا الغربية في ستينيات القرن الماضي حيث استقر في ميونيخ. بعيدًا عن المناهج الأكاديمية، خاض مسارًا فنيًا فريدًا، صنع فيه عالمه الخاص، محكومًا بالحدس والحنين، لا بقوانين السوق. أعماله تشمل أقمشة مرسومة يدويًا، جداريات، دفاتر، صور فوتوغرافية، وقطع خزفية تحوّلت إلى لغة تشكيلية ناطقة.
ويتحاور هذا العالم الفني الخاص مع مختارات من مجموعة مؤسسة كمال الأزعر، وأعمال فنانين بارزين أمثال عبد العزيز قرجي، صفية فرحات، نجيب بلخوجة، عمار فرحات، وغيرهم، مما يمنح المعرض بعدًا جماعيًا يثري التجربة ويجعلها رحلة استكشافية في الذاكرة البصرية المغاربية.
يأتي هذا المعرض ليرمم الغياب، ويضع اسم حميد زناتي في مكانه المستحق ضمن خارطة الفن المغاربي والعربي، متيحًا لجمهور اليوم إعادة اكتشاف فنان رفض التصنيفات، وفضّل أن يصوغ عالمه من التفاصيل اليومية، من الهامش، والحنين.
غسان عيادي