الاخبار

العلاقات الجزائرية الفرنسية..كيف يمكن إذابة الجليد؟

العلاقات الجزائرية الفرنسية..كيف يمكن إذابة الجليد؟


أشهر مرّت على تدهور العلاقات الجزائرية الفرنسية، والتي لم تكن يوما مستقرة بالشكل التام.

قد يبدو للبعض أنّ الاشكال يتعلق بدعم فرنسا لخطة 'الحكم الذاتي' التي اقترحها المغرب 'تحت سيادته' للنزاع في الصحراء الغربية، أو ملف الهجرة، زد عليهما قضية اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري، بوعلام صنصال، والتي يرى البعض أنها تسببت في توسيع فجوة العلاقات بين البلدين، لكن الباحثون في العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وباريس يجمعون على أنّه منذ استقلال الجزائر عن مستعمِرها الفرنسي سنة 1962، لم تكن علاقات البلدين بمنأى عن أزمات عاصفة، وظاهريا كان ملف الذاكرة التاريخية العنصر الأبرز كخلفية للتوترات التي تكاد تكون مزمنة في العلاقات.

جفاء.. فتقارب.. ولكن

يقول منصف السليمي الصحفي وخبير بالشؤون المغاربية إنّ أزمة 2005 بين الجزائر وفرنسا تعتبر الأكثر حدة، وذلك إثر اعتماد البرلمان الفرنسي قانونا يمجد الحقبة الاستعمارية الفرنسية وخاصة في شمال أفريقيا، الأمر الذي تسبب في امتناع الجزائر على توقيع معاهدة صداقة بين البلدين، رغم قيام الرئيس جاك شيراك حينها، بالتدخل شخصيا لإعادة صياغة القانون وإلغاء المادة المثيرة للخلاف مع الجزائر التي ظلت تطالب باعتذار رسمي فرنسي عن جرائم السلطات الاستعمارية.

منذ ولاية الرئيس شيراك شهدت العلاقات خلال عقدين من الزمن منحى إيجابيا في تطورها، حيث قام رؤساء فرنسا المتعاقبون على السلطة في الإليزيه بخطوات رمزية في ملف الذاكرة التاريخية، وفق المصدر ذاته.

لتكون بعدها مبادرة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون بإحداث لجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية من أجل "الحقيقة والمصالحة" التاريخية، وتصريحاته بأن استعمار فرنسا للجزائر كان "جريمة ضد الإنسانية"، أكثرها جرأة. كما تم اعتماد اللجنة في لقاء قمة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أوت 2022، وبعثت آمالا لدى الجانبين بفتح صفحة جديدة في العلاقات ولكن هذا التقارب النوعي في العلاقات لم يدم طويلا، حيث تعرضت العلاقات للتدهور من جديد مع صائفة 2024 بسبب ملف الصحراء الغربية.

صائفة 2024.. منعطف في تاريخ العلاقات

يرى محللون بأن تاريخ 30 جويلية 2024 يشكل منعطفا في تاريخ العلاقات، عندما أقدمت الجزائر على سحب سفيرها من فرنسا رداً على اعتراف الحكومة الفرنسية بخطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها "الأساس الوحيد" لحل نزاع الصحراء الغربية وتأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن "حاضر الصحراء ومستقبلها في إطار السيادة المغربية".

تصريحات قابلها قرار سحب سفير الجزائر لدى فرنسا بأثر فوري، وإصدار بيان شديد اللهجة من الخارجية الجزائرية، أعربت فيه عن "استنكارها الشديد" لموقف الحكومة الفرنسية ''غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي''.

وهاجمت الجزائر فرنسا، المستعمر السابق، والمغرب، معتبرة أن ما حدث هو تفاهم "القوى الاستعمارية القديمة والحديثة" التي "تعرف كيف تتماهى مع بعضها البعض وكيف تتفاهم مع بعضها البعض وكيف تمد يد العون لبعضها البعض".

إثر هذا القرار بدأت الجزائر سلسلة من الضغوط التجارية والاقتصادية على باريس، ما دفع هذه الأخيرة لتحريك بعض الملفات في سياق ضغط مضاد، واقتصرت خطواتها الأولى على مسألة ترحيل بعض الجزائريين المخالفين للقوانين إضافة لملف المهاجرين غير النظاميين، إلا أن رد فعل الجزائر الرافض لتسلّم رعاياها واعتقالها للكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال أزّم الوضع .

قضية صنصال تعمّق الأزمة..

عمَّق اعتقال الكاتب الجزائري الفرنسي، بوعلام صنصال، من الفجوة في العلاقات بين الجزائر وباريس، حيث اتتهمته الجزائر بـ''تحقير الوطن'' في تصريحات صحفية له في فرنسا، والتي قال فيها إنّ ''أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب''، وأن قادة الاستعمار الفرنسي ''كانوا سبباً في اقتطاعها مرتكبين بذلك حماقة''. كما قال إن ''بوليساريو'' التي تطالب باستقلال الصحراء عن المغرب، 'من صنع الجزائر لضرب استقرار المغرب'.

بعد عملية الاعتقال شنّت وسائل الإعلام الفرنسية ما اعتبرته الجزائر 'حملة تشويه'، خاصة بعد نقلها لتصريحات للرئيس إيمانويل ماكرون، عبر فيها عن ''قلقه'' من اعتقال الصحفي، معلنا اعتزامه التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه.

بعد هذه التصريحات هاجمت الصحافة الجزائرية بدورها الطيف السياسي الفرنسي، بسبب ما اعتبرته'' تعاطف اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني''، مع الكاتب، قياساً إلى قربه من هذه الأوساط منذ سنين طويلة، وقد أكد ذلك بنفسه، بموقفه ''المؤيد للعدوان الإسرائيلي'' على غزة، منذ ''طوفان الأقصى''  فضلاً عن معارضته مطلب سلطات بلده الأصلي، الجزائر، ''باعتراف فرنسا بجرائمها خلال فترة الاستعمار'' .

قضية صنصال  تجُرّ معها ملفي 'الذاكرة' والهجرة...

'' الهجرة غالبا ما تستخدم كأداة انتقامية في الأزمات التي تنشب بين البلدين''، يقول أستاذ القانون في جامعة "غرونوبل ألب" سيرج سلامة ويضيف: ''بعد قضية صنصال أخرجت فرنسا ورقة الهجرة للابتزاز  وهذا النمط يتكرر كلما تدهورت العلاقات الثنائية''.

وعمدت السلطات الفرنسية، بعد ذلك، إلى اعتقال شخصيات جزائرية وفرنسية-جزائرية بتهم مرتبطة بـ''الدعوة إلى العنف''. وفي هذا السياق، دعا وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو إلى مراجعة اتفاقية 1968 التي تحدد شروط دخول الجزائريين إلى فرنسا، متهما الجزائر بعدم تقديم التصاريح القنصلية اللازمة لترحيل مواطنيها المقيمين بشكل غير قانوني في فرنسا.

وأضاف أن غياب التوازن في العلاقات يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة، مشددا على ضرورة مراجعة سياسات التأشيرات.

وأشارت فريدة سويح، الخبيرة السياسة في EM Lyon، إلى أن النزاع الحالي يعكس توجها عالميا متزايدا لاستخدام قضايا الهجرة كأداة دبلوماسية.

وقد ألقى الهجوم الذي وقع في مدينة ميلوز شرق فرنسا، ونفذه مشتبه به جزائري وهو مهاجر غير نظامي كان يواجه أمرًا بمغادرة الأراضي الفرنسية، بظلاله على المناقشات السياسية حول ملف الهجرة، وكان جلسة وزارية حول الهجرة دعا إليها رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، في فيفري الفارط.

وفاقمت الحادثة الأزمة السياسية، إذ حمّل وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، الجزائر مسؤولية الهجوم الذي وقع في المدينة، حيث وقع الحادث بعد رفض حكومة الجزائر في وقت سابق طلبات فرنسا بترحيل المهاجم.

في هذا السياق، أعلن رئيس وزراء فرنسا، فرانسوا بايرو، خلال الجلسة أن بلاده لا تسعى لتصعيد الأوضاع الدبلوماسية مع الجزائر، ولكنها تشدد على ضرورة احترام الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.

وأوضح بايرو أن فرنسا تطلب من الجزائر القيام بمراجعة شاملة لجميع الاتفاقيات الثنائية، مشيرًا إلى أن عدم إصدار الجزائر تصاريح قنصلية لاسترداد مواطنيها غير النظاميين من فرنسا يعد انتهاكًا لهذه الاتفاقيات.

كما أعرب عن أسف بلاده لعدم احترام الجزائر لاتفاقية عام 1968، التي تنظم دخول الجزائريين إلى فرنسا، وهو ما يفاقم التوترات بين الطرفين.

بعد أشهر من القطيعة.. العلاقات تعود وتدوم أياما

بعد الحرب اللفظية التي دامت 8 أشهر، شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية حركة دبلوماسية جديدة منذ أسبوع تقريبا، حيث أدى وزير الدولة لشؤون أوروبا والخارجية الفرنسي جان نويل بارو، زيارة إلى الجزائر.

وأعلن بارو من الجزائر، عقب لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها بعد فترة توتر لم "تخدم مصالح الطرفين"، مؤكدا أن فرنسا تتطلع لطي صفحة التوترات الحالية، لإعادة بناء شراكة هادئة وسلمية مع الجزائر.

وأشار بارو إلى أنه ناقش مع الرئيس تبون ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف جميع القضايا التي شغلت البلدين بالأشهر الأخيرة، بهدف تفعيل المبادئ التي تم الاتفاق عليها خلال المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الفرنسي والجزائري في 31 مارس، واستعادة الديناميكية والطموح الذي حدداه بإعلان الجزائر 2022.

6 أيام فقط من التهدئة، تلقت العلاقات الجزائرية الفرنسية صدمة جديدة  تمثلت في سجن موظف بقنصلية الجزائر لدى فرنسا مع اثنين آخرين، في إطار تحقيق حول اختطاف اللاجئ السياسي أمير بوخرص، ما أثار حفيظة وزارة الخارجية الجزائرية التي استدعت السفير الفرنسي ستيفان روماتيه، مساء أول أمس السبت، وأبلغته احتجاجها الشديد على سجن الموظف الذي يتمتع بوضع دبلوماسي، وطالبت بـ''الإفراج عنه فورا''.

وردت باريس على الجزائر، الأحد، بخصوص طلبها، مؤكدة عبر ''مصدر دبلوماسي'' لوكالة الأنباء الفرنسية، أن ''القضاء في فرنسا يعمل بكل استقلالية''. وأضاف المصدر نفسه: ''نحن لا نعلق على تحقيق جارٍ، والسلطة القضائية التي تعمل بشكل مستقل تماماً هي الوحيدة المختصة لاتخاذ القرار''.

وأكدت النيابة العامة الفرنسية لقضايا مكافحة الإرهاب، ان الموقوفين الثلاثة  متهمون بـ''التوقيف والخطف، والاحتجاز التعسفي على ارتباط بمخطط إرهابي''. تهم انبنت على ''حجج هشة''، وفق وصف الجزائر  التي صرّحت بأنّ الأدلة التي قدمتها الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية خلال التحقيقات، ''ضعيفة'' إذ تستند هذه الملاحقات القضائية المرفوضة إلى مجرد كون هاتف الموظف القنصلي المتهم قد تم رصده بالقرب من عنوان منزل المدعو أمير بوخرص.

عودة للنقطة الصفر...

بعد اعتقال الدبلوماسي الجزائري في فرنسا، طلبت السلطات الجزائرية من 12 موظفا في سفارة فرنسا مغادرة الأراضي الجزائرية في غضون 48 ساعة، وفق ما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو اليوم الاثنين.

وأوضح بارو أن القرار الجزائري جاء ردا على توقيف 3 جزائريين في فرنسا، قائلا في تصريح مكتوب وجه إلى صحفيين "أطلب من السلطات الجزائرية العودة عن إجراءات الطرد هذه التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية" في فرنسا.

وأضاف "في حال الإبقاء على قرار طرد موظفينا لن يكون لنا خيار آخر سوى الرد فورا".

عادت الأزمة بين البلدين إلى النقطة صفر، بعد أيام قليلة من الانفراج، فهل تتصاعد التوترات الدبلوماسية، وتتوسع الخلافات لتشمل ملف الهجرة والتأشيرات من جديد؟ 

*أميرة عكرمي

شارك: