القصرين: مجالس الشيوخ في رمضان آخر معاقل لعبة الأحاجي والذاكرة

مجالس الشيوخ

في قلب مدينة القصرين، وفي ساحة الشهداء، تلك الذاكرة الجماعية الحية، يجتمع شيوخ المدينة كلّ صباح رمضاني في عادة دأبوا عليها منذ ما يفوق العشر سنوات. رغم تغيّر ملامح الساحة، ورغم طمس يدٍ لا تحب ذاكرة الأرض للمخطوط الرخامي الذي حمل لعقود أسماء شهداء التحرر من الاستعمار، لا تزال أصوات هؤلاء الرجال تعيد تشكيل الأحداث والزمن، تشدّ خيط الذكريات، وتجذف به عبر أمواج وتقلبات الماضي، لتحكي عن أيام لم تُمحَ من الوجدان، حتى وإن زالت من الجدران.

يستحضرون كلمات أحجيات قديمة، وتفاصيل ليالٍ مضت، حين كان السحور أكثر من مجرد وجبة متأخرة، بل طقسا جماعيا تُنظّمه الطبيعة قبل أن تسرقه التطبيقات الإلكترونية.

يقول أحدهم مبتسما:"كنا نتبع نجمة الصبح التي كانت  تهدينا إلى موعد الفجر، قبل أن تفرض الساعات الرقمية إيقاعها..".

يجوبون بذكرياتهم بين "بيت المونة" و"السداية"، يبتسمون أمام كاميرا موزاييك وكأن الزمن الماضي يتجلى أمامهم بوضوح. يتحدثون عن مخزون المؤونة، عن الأيام التي كان فيها إعداد الطعام جزءا من الحياة اليومية، لا مجرد خيار على شاشة هاتف.

يضحك أحدهم، قائلا: "وإذا نفقت النعجة؟ توزيع اللحم على الجيران واجب، ناس الكل تاخذ نصيبها، وما فما حد يجوع...".

قبل صلاة الظهر، يغادر الشيوخ حديقة الشهداء ببطء، وكأنهم يخشون أن يتركوا وراءهم شيئا من ذاكرتهم. لكن الحكايات لا تنتهي أبدا. والمجالس ستنتصب مجددا في صباح الغد، وبعد غد، كما اعتادت أن تفعل منذ زمن. ستغوص الذاكرة، مجددا،، في أزمنة لم تكن فيها الشاشات والخوارزميات تفرض إيقاعها... حقبة كان الوقت فيها يمضي على مهل، كأنه يتمتع بنقاوة تلك الأيام، وبانسياب حكايات ساحة الشهداء.

برهان اليحياوي

شارك:

تطبيقات

    تابعونا

    rss