الاخبار

الخبز صديق الجوع.. عدو الصحة!

الخبز

من الطابونة إلى الخبز العربي والباقات، تتنوّع الخيارات وتكثر الاستهلاكات.. حيث لا تكتمل سُفرة الإفطار أو السحور دون الخبز، فهو جزء أساسي من المائدة التونسية، حتّى أنّ البعض لا يتصوّر وجبة رمضانية دونه.

لكن هل تساءلت يومًا عن تأثير الإفراط في تناول الخبز على صحتك؟ هل فكرت في أنّه قد يكون السبب في شعورك بالخمول، أو في حدوث اضطرابات هضمية، وربما زيادة الوزن، بالإضافة إلى مشاكل صحية أخرى؟..

الخبز أكثر من مجرد غذاء!

يُعتبر الخبز من أساسيات الحياة الغذائية في العديد من المجتمعات. وتزخر الحضارات العربية والغربية بعدد لا يُستهان به بالأمثال المرتبطة بالخبز، تكريسا لأهميته في سلم الغذاء والمجتمع. حتّى إنّ الترابط بين البشر مرتبط بالخبز، إذ يقال "بيننا خبز وملح".

وفي بعض المجتمعات، يُقبل الناس الخبز الذي يسقط على الأرض ويضعونه في مكان بعيد عن الأقدام حتى لا يتعرض للدوس. من هنا، جاءت العبارة الشهيرة "الخبز يُباس ولا يداس"، التي تُظهر تقدير الناس للخبز كرمز للبركة والطعام، وتكريس لعدم إهدار النعم مهما كانت صغيرة أو بسيطة.

 

إلاّ أنّ واقعنا اليوم يشهد حالة من الهدر الكبير للخبز، خاصّة خلال شهر رمضان. في تونس، يُهدر نحو 900 ألف 'باقات' يوميا، وينتهي مصيرها في القمامة. حيث يتم شراء كميات كبيرة من الخبز خلال الشهر الفضيل، وهو ما يؤدي إلى تراكمه وإهداره بشكل غير مبرر. 

لكن بعيدا عن هدر الخبز، هناك جانب آخر لا يجب تجاهله، وهو الإفراط في تناوله وتأثيره على صحتنا. فالبحث في تأثيرات الخبز على الجسم يظهر أنّ استهلاكه المفرط، خاصّة خلال شهر رمضان حيث تزداد الشهوات، يمكن أن يؤدي إلى العديد من المشكلات الصحية.

الإفراط في الخبز يُهدّد صحتك!

قد يبدو الخبز غذاءً بسيطًا، لكنّه يحتوي على نسب عالية من الكربوهيدرات التي تتحول إلى سكريات سريعة في الجسم، مما يؤدي إلى زيادة مستوى السكر في الدم بشكل مفاجئ. وعندما ترتفع مستويات السكر في الدم، يتم إطلاق الأنسولين الزائد في مجرى الدم، ما يجعل من الصعب التحكم في مستويات السكر، لذلك يفضل على مرضى السكري الابتعاد عن تناول الخبز.

إضافة إلى ذلك قد يتسبّب الإكثار من تناول الخبز في:

أمراض ومشاكل هضمية: يُعد الخبز الأبيض حتّى الأنواع التي تحتوي على إضافات غذائية فقيرا في الألياف التي يحتاجها جهازك الهضمي لتفكيك وامتصاص العناصر الغذائية بشكل سليم. لذا فإنّ تناوله بدلًا من أنواع الخبز الغنية بالألياف يحرم جهازك الهضمي من العديد من فوائد الألياف، والتي تشمل منع الإمساك، الحماية من البواسير وتقليل فرص الإصابة بسرطان القولون.

كما يحتوي على نسب عالية من الغلوتين والذي لا يتحمله الجهاز الهضمي لبعض الأشخاص خاصة مرضى الداء الزلاقي، ممّا قد يُسبب لهم مشاكل مثل آلام المعدة، الإسهال والنفخة والغازات.

زيادة نسبة دهون البطن: تتميّز دهون منطقة البطن بأنّها نوع خطير جدًا من الدهون اسمها الدهون الحشوية، وقد وجدت إحدى الدراسات أن تناوله يزيد من نسبة هذه الدهون مقارنة بتناول الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة والذي يعمل على خفضه.

زيادة الجوع والتسبب بالسمنة: كما أنه من أنواع الكربوهيدرات التي يتم هضمها بسرعة، ويتميز بأن له مؤشرًا جلايسيميًا (مؤشر يدل على سرعة رفع مستوى سكر الدم) أعلى من ذلك الذي يمتلكه العسل وسكر المائدة.

هذا يعني أنّه يوفر طاقة سريعة للجسم وسرعان ما يبدأ الجسم بتخزينه على هيئة دهون، كل هذا يؤدي للشعور السريع بالجوع بعد تناوله، وبالتالي الإفراط في تناول الطعام بعد ذلك الأمر الذي قد يُسبب السمنة.

 

تحفيز الإصابة بالاكتئاب: وجدت إحدى الدراسات أنّه قد تكون له تأثيرات سلبية واضحة على مزاج المرأة في سن انقطاع الطمث، تتمثل في الاكتئاب. هذا الأمر عادةً ما يرتبط بالأطعمة التي لديها مؤشر جلايسيمي مرتفع مثل الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات المُعالجة.

الإصابة بمتلازمة الأمعاء: إذا كنت تعاني من مشاكل في الهضم أو متلازمة القولون العصبي، فمن الأفضل الابتعاد عن تناول الخبز، حيث قد يكون المحتوى العالي من الفركتان والجلوتين في خبز القمح من الأمور التي تتسبب في الإصابة بمتلازمة الأمعاء والتي تتمثل أعراضها مثل: آلام البطن، الانتفاخ، الإسهال، الإمساك.

منخفض في العناصر الغذائية الأساسية: الخبز ليس مغذيًا مثل الخضروات ودقيق الشوفان والبطاطس والأرز، فضلا عن أنه لا يحتوي على الأحماض الأمينية والمعادن الهامة التي تساهم في بناء وتقوية عضلات الجسم.

ولتجنّب هذه المشكلات الصحية، يُوصي خبراء التغذية بتقليل استهلاك الخبز الأبيض واستبداله بأنواع أخرى أكثر فائدة، مثل الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة أو خبز الشوفان، حيث تحتوي هذه البدائل على نسبة أعلى من الألياف والعناصر الغذائية الأساسية. كما يُفضل تناول مصادر غذائية متنوعة للحفاظ على نظام غذائي متوازن يعزز الصحة العامة.

الخبز.. نعمةً

ترى جمعية التغذية الألمانية (DGE) أنّ الابتعاد تماما عن الخبز غير مفيد، وتُؤكّد على حاجة الجسم إلى جرعة يومية من الكربوهيدرات من أجل المحافظة على نشاطه. وتوضح الجمعية أنّ الكمية الموصى بها من الخبز تختلف قليلا بحسب طبيعة الجسم ومستوى النشاط بيد أن الكمية الموصى بها بشكل عام تعادل أربع إلى ست شرائح من الخبز.

إذن، فالخبز مفيد للصحة عند تناوله بكمية معقولة وضمن نظام غذائي صحي، وهذه فوائد تناول الخبز، خاصة الخبز الكامل الذي يحتوي على مزيد من الألياف الغذائية:

وجدت مراجعة للدراسات المنشورة عام 2016 في المجلة الأميركية للتغذية السريرية أنّ الكربوهيدرات من الحبوب الكاملة يمكن أن تقلل من مخاطر الوفاة من أي سبب أو أمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان.

 

اكتشف باحثون من كلية هارفارد للصحة العامة وجود صلة بين اتباع نظام غذائي غني بالحبوب الكاملة وخطر الموت، وأظهرت نتائجهم التي نشرت عام 2015 في دورية "جاما" للطب الباطني، أن استهلاك الحبوب الكاملة يقلل من خطر الوفاة بوجه عام، وخاصة من أمراض القلب والأوعية الدموية، لدى كل من الرجال والنساء.

وكتب مؤلفو الدراسة "تدعم هذه النتائج الإرشادات الغذائية الحالية التي توصي بزيادة استهلاك الحبوب الكاملة.. وتُقدّم أيضا أدلة واعدة تشير إلى أنّ اتّباع نظام غذائي غني بالحبوب الكاملة قد يمنح فوائد تجاه إطالة أمد العمر المتوقع".

مفيد لحركة الأمعاء، إذ تحافظ الألياف من الحبوب الكاملة على نظامك الهضمي على المسار الصحيح، وتتحرك الفضلات عبر جسمك في دورة ثابتة. وهذا ينظم حركة الأمعاء ويساعد على الوقاية من الإمساك.

ووفقا لتقرير في موقع كليفلاند كلينيك عن فوائد الخبز من الحبوب الكاملة، فإنّ تناول الأطعمة المصنوعة من الحبوب الكاملة ضمن نظام غذائي صحي شامل يساعد على تقليل مخاطر الإصابة بكثير من الأمراض، بما في ذلك السكتة الدماغية، والسكري، ومرض القلب، وسرطان القولون والمستقيم.

وطبقا لما سبق ذكره، نفهم أنّ تناول الخبز ليس مشكلة بحدّ ذاته، لكن الإفراط فيه قد يُؤدّي إلى مشكلات صحية. لذلك يبقى الاعتدال هو المفتاح لتحقيق توازن غذائي صحي، خاصّة خلال شهر رمضان.

أمل مناعي

شارك: