الاخبار

متلازمة المُنقذ.. ماهي وكيف تتخلّص منها؟

متلازمة المُنقذ.. ماهي وكيف تتخلّص منها؟

الرغبة الدائمة في مساعدة الآخرين، وإنقاذهم بشكل مفرط، وكأنه الهدف من الحياة لها تسمية وحيدة وهي "متلازمة المنقذ".

هي متلازمة معروفة أيضًا بعقدة المنقذ أو متلازمة الفارس الأبيض، حالة نفسية يشعر فيها الفرد بحاجة ملحة لمساعدة الآخرين وحل مشاكلهم، حتى دون طلب منهم وهي تؤثر على الرجال والنساء، ويمكن أن تظهر في العلاقات العاطفية والصداقة، وكذلك في المجال المهني.

المتلازمة المذكورة هي نمط سلوكي نفسي يشعر فيه الشخص بحاجة ملحة لإنقاذ الآخرين أو مساعدتهم، حتى على حساب نفسه. حيث يضع الشخص نفسه في دور المُنقذ، معتقدًا أنه مسؤول عن حل مشاكل الآخرين أو تحسين حياتهم.

هذا الاحساس، قد يؤدي بمن يعاني هذه المتلازمة، إلى اتخاذ قرارات متهورة ومتسرعة دون تفكير على غرار التطوع أو التبرع، رغم نُبلهما، إلاّ أنهما في هذه الحالة قد يضرا بالمصاب أو بالآخرين.

ووفقًا للخبيرة والأخصائية الاجتماعية السريرية الأمريكية إيفون كاستانيدا، فإن "متلازمة المنقذ تخفي دافع قهري مستمر يصعب التحكم فيه، ويتمثل في مساعدة الآخرين". وقد كتبت الخبيرة في مقال نشر  في مجلة 'Psychology Today' أن هذه الرغبة قد تكون عميقة لدرجة أنها تحدث دون إدراك من الشخص مما يسبب له شعور بعدم الارتياح حتى يتم حل الأمور كما ينبغي.

هذا الاحتياج القهري قد يؤدي إلى عواقب سلبية على الصحة النفسية للمصاب بالمتلازمة، وكذلك على صحة من حوله، تقول إيفون كاستانيدا.

من أين تأتي متلازمة المنقذ وما هي أسبابها؟

هذه المتلازمة لها جذور من مرحلة الطفولة، خاصة إذا اضطر الطفل إلى تحمل مسؤوليات تفوق سنه، مثل رعاية الإخوة والأخوات أو أحد الوالدين.

في هذه الحالة، يُجبر الطفل على تعلم كيفية إدارة المواقف وحل المشكلات. وعند بلوغه سن الرشد، قد يصبح هذا السلوك أقل ارتباطًا بالاختيار وأكثر ارتباطًا بالشعور بالمسؤولية، مما يؤثر على الطريقة التي يتعامل بها مع الآخرين في علاقاته.

الاعتقاد بأن تقديم الآخرين على النفس هو دائمًا الخيار الصحيح، بغض النظر عن الثمن، يجعل الشخص الذي يعاني من المتلازمة، يشعر بأنه إذا لم يساعد الآخرين، فإنه سيكون إنسانًا سيئًا، مما يجعله يشكك في قيمته الذاتية.

في بعض الحالات، قد تكون مساعدة الآخرين وسيلة للهروب من مواجهة الذات، حيث يجد الشخص في ذلك طريقة لتجنب التفكير في مشاكله الشخصية أو التعامل مع صعوباته الخاصة.

من العوامل التي تساهم في تطور الحالة، هو عامل الحزن الشديد، حيث يشعر الشخص بالذنب لعدم تمكنه من مساعدة شخص مهم في حياته، فيحاول التعويض عن ذلك من خلال مساعدة الآخرين، وتتطور الحالة إلى متلازمة.

الحاجة للشعور بالأهمية، من العوامل التي تفسر هذه المتلازمة، حيث يشعر فيها الشخص بأن قيمته تكمن في مساعدة الآخرين. الرغبة في التحكم أيضا، فقد تكون المساعدة وسيلة للشعور بالسيطرة على المواقف أو العلاقات.

من العوامل الأخرى نجد التجارب السابقة، التي تعرض لها الشخص في طفولته فجعلته يشعر بأنه مسؤول عن راحة الآخرين، وتدني تقدير الذات، فقد يعتقد الشخص أنه لا يستحق الحب أو الاهتمام إلا إذا قدم شيئًا للآخرين.

كيف تعرف إذا كنت تعاني من متلازمة المنقذ؟

إذا كنت تعاني من متلازمة المنقذ، فأول ''الأعراض'' أنك لا تشعر بالرضا عن نفسك إلا عند مساعدة شخصا ما، والإيمان الراسخ لديك بأن مساعدة الآخرين هي هدفك.

إذا كنت تبذل الكثير من الطاقة في محاولة إصلاح الآخرين، بشكل لا يتوقف بحيث ينتهي بك الأمر إلى الإرهاق، فانت حتما تعاني من هذه المتلازمة.

يقول الدكتور موري جوزيف، عالم النفس في واشنطن، لموقع هيلث لاين' يمكن أن تتضمن الميول الإنقاذية تخيلات القدرة المطلقة، بمعنى آخر، أنت تعتقد أن هناك شخص قادر بمفرده على تحسين كل شيء، وهذا الشخص هو ببساطة أنت!

العواقب على الصحة النفسية

إن جعل الآخرين أولوية دائمة يعني إهمال احتياجاتك الشخصية، مما قد يؤدي إلى الإرهاق، وكذلك إلى مشكلات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب والاحتراق الذاتي.

الاحتراق الذاتي، يأتي من استخدام كل وقتك وطاقتك في مساعدة الآخرين ما يترك لك القليل من الطاقة لنفسك.

هذه المتلازمة تجعل علاقاتك مضطربة، فان كنت تنظر إلى زوجك أو زوجتك أو أخاك أو صديقك كمشروع إصلاح، فحتما علاقتك به ستنتهي بالفشل لأن معاملة الأحباء كأشياء مكسورة تحتاج إلى إصلاح يمكن أن تجعلهم محبطين ومستائين.

يقول الدكتور موري جوزيف: "لا يحب على الناس أن يشعروا وكأننا لا نحبهم كما هم لا أحد يريد أن يشعر بالعجز، وعندما تدفع شخصا ما جانبا للتعامل مع مشكلاته، فهذا غالبا ما تجعله يشعر به''.

الشعور بالفشل، سيصبح مرافق لك، فبعقلية المنقذ، تعتقد أنك تستطيع إصلاح مشاكل الآخرين، لكن واقعيا، لا يمكنك ذلك، فلا أحد يملك هذه السلطة.

''وينتهي بك الأمر بمواجهة الفشل تلو الفشل بينما تستمر في العيش بنفس النمط. يمكن أن يؤدي هذا إلى مشاعر مزمنة من النقد الذاتي وعدم الكفاءة والشعور بالذنب والإحباط"، يقول جوزيف موري.

إلى جانب كل ما سبق، كثيرة هي الأعراض مزاجية غير المرغوب فيها التي يعاني منها المصاب بالمتلازمة، على غرار الاكتئاب والاستياء والغضب تجاه الأشخاص الذين لا يريدون مساعدتك والإحباط من نفسك والآخرين والشعور بفقدان السيطرة.

العواقب لا تشمل الشخص الذي يُعاني من المتلازمة فقط بل تُضر أيضا من تم 'إنقاذه'، وتوضح الخبيرة والأخصائية الاجتماعية السريرية الأمريكية إيفون كاستانيدا، أنه بالنسبة للشخص الذي يتم إنقاذه، فإن هذه الجهود ذات النوايا الحسنة قد تخلق حالة من التبعية، مما يؤثر على تقديره لذاته ويعيق نموه الشخصي ويمكن أن تؤدي هذه الديناميكية غير المتوازنة إلى علاقات سامة.

كيف تتخلص من متلازمة المنقذ؟

دراسة لرافاييل دو فوكاو، مختصة في علم النفس الإيجابي، نشرتها مجلة 'Santé Magazine'، أوضحت الخطوات الأولى للتخلص من هذه المتلازمة، تبدأ بالتشخيص الذاتي والوعي بالمشكلة وهي خطوة صعبة للغاية، لأن الأشخاص الذين يعانون منها يجدون صعوبة في إدراك آثار أفعالهم.

ولتحقيق ذلك، يجب أخذ الوقت لتحليل العلاقات ووضع الحدود، وتعلم قول ''لا" عندما تشعر بأن المساعدة ستؤثر سلبًا على حياتك، ثم التركيز على الذات، عبر تخصيص وقت لرعاية نفسك وتحقيق أهدافك الشخصية.

من أجل الخروج من هذه الحالة يجب عليك القيام بالتفويض ما يعني السماح للآخرين بتحمل مسؤولية حياتهم بدلًا من تحملها نيابة عنهم.

طلب المساعدة، للخروج من هذه الحالة،  من بين أهم الخطوات، فاستشار معالج نفسي لفهم جذور المشكلة وتعلم طرق صحية للتعامل معها ضروري للعلاج. هذه الاستشارة ستساعدك في تغيير المعتقدات والأفكار التي تربط قيمتك بمساعدة الآخرين.

متلازمة المنقذ ومدى انتشارها في المجتمعات

حتى الآن، لا تتوفر إحصاءات دقيقة أو دراسات شاملة حول مدى انتشار متلازمة المنقذ في المجتمعات، ربما يعود ذلك إلى عدم الاعتراف بها رسميا كاضطراب نفسي.

بالرغم من عدم وجود أرقام محددة، إلا أن الوعي بمتلازمة المنقذ يتزايد، ويتم تناولها في المقالات النفسية والإعلامية لتسليط الضوء على تأثيراتها المحتملة على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.

*أميرة عكرمي

شارك: