الاخبار

الأملاك المصادرة..أموال الشعب المنهوبة كيف السبيل إلى تحصيلها؟

ملف الأملاك المصادرة

أعادت زيارة رئيس الدولة قيس سعيّد إلى مقرّي وزارة أملاك الدولة ووزارة المالية ملف الأملاك المصادرة إلى الواجهة..هذا الملف الشائك  الذي شابته عدّة إخلالات، ظلّ يراوح مكانه منذ سنة 2011 مما ألحق خسائر كبيرة بخزينة الدولة التونسية.

ويبدو أنّ هذا الملف أدى إلى إقالة وزيرة للمالية سهام البوغديري نمصية من منصبها الذي ظلّت تشغله منذ أكتوبر 2021، حيث تزامن إعلان رئاسة الجمهورية تعيين مشكاة سلامة الخالدي القاضية من الرتبة الثالثة، وزيرة جديدة للمالية، مع الزيارة التي أدّاها قيس سعيّد إلى مقر الوزارة بالقصبة.

مازلنا في النقطة الصفر منذ 14 سنة وهذا أمر غير مقبول ولابد للشعب أن يسترجع أمواله المنهوبة

وأظهرت محادثة مقتضبة بين الوزيرة المقالة ورئيس الدولة، في فيديو بثّته رئاسة الجمهورية علي صفحتها بفيسبوك، استياء شديدا من الرئيس بشأن هذا الملف.

وصرّح رئيس الجمهورية في هذا الخصوص: "مازلنا في النقطة الصفر منذ 14 سنة وهذا أمر غير مقبول ولابد للشعب أن يسترجع أمواله المنهوبة."


نستعرض في ما يلي جملة من المعطيات بخصوص ملف الأملاك المصادرة وتطوّراته:


قرار بمصادرة أملاك وأموال 114 شخصا

بعد الثورة تمّ تركيز منظومة لمصادرة الأملاك المكتسبة دون وجه حقّ، وتمّ إعداد قائمة بـ 114 شخصا من المعنيين بمصادرة أملاكهم، شملت أساسا الرئيس السّابق زين العابدين بن على وزوجته وأصهاره وأقاربه.  كما تعلّقت المصادرة بمن ثبت حصولهم على أملاك أو حقوق جراء علاقتهم بالأشخاص المدرجة أسمائهم بالقائمة.

تمّ ضبط قائمة الأشخاص المعنيين بمصادرة الأملاك من قبل اللجنة الوطنيّة لتقصّي الحقائق حول الرّشوة والفساد التي تعرف بإسم "لجنة عبد الفتاح عمر"، نسبة إلى رئيسها، والتي أحدثت بمقتضى مرسوم عدد 7 لسنة 2011 مؤرخ في 18 فيفري 2011.

حصر تقرير اللّجنة ( أكتوبر 2011) جميع الممتلكات العقارية والمنقولة التي تمّ إكتسابها بطريقة غير مشروعة، بعد عمل استقصائي وجلسات استماع بالإضافة إلى الإستعانة بتقارير أجهزة الرقابة.

الإطار القانوني والتشريعي للأملاك المصادرة

في مرحلة لاحقة تمّ  إحداث الإطار التشريعي لأعمال المصادرة والتصرّف فيها  من خلال ثلاث لجان وطنيّة للتصرّف في الممتلكات  المصادرة.

لجنة المصادرة

أحدثت هذه اللجنة لدى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بموجب المرسوم عدد 13 لسنة 2022 المؤرخ في 14 مارس 2011. وتتمثّل مهامها الأساسية في القيام بالإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة لنقل الأموال العقارية والمنقولة والحقوق المصادرة لفائدة الدولة إستنادا إلى قرارات المصادرة التي بلغ مجموعها 1864 قرارا (إلى موفى سنة 2015).

وعهد إلى شركة "الكرامة القابضة" التصرّف في 62 مساهمة مباشرة وغير مباشرة للدولة في الشركات المشمولة بقرار المصادرة منها مساهمات في 22 شركة تمّت إحالتها من قبل الدولة.

لجنتان لاسترجاع الأموال الموجودة بالخارج

أحدثت  لدى البنك المركزي التونسي بمقتضى المرسوم عدد 15 لسنة 2011 المؤرّخ في 26/03/2011 لجنة وطنيّة لاسترجاع الأموال الموجودة بالخارج والمكتسبة بصفة غير شرعيّة والتي إنتهت المهام الموكولة لها في مارس 2015 وأحيلت الملفّات المتعهدة بها للمكلّف العام بنزاعات الدولة للتعهّد والمتابعة تطبيقا للأحكام الواردة بمرسوم إحداثها.  

وفي 22 أكتوبر 2020 صدر أمر رئاسي (عدد 112) يتعلق بإحداث لجنة خاصة برئاسة الجمهورية لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج ويترأسها وزير الخارجية.

اللجنة الوطنية للتصرّف في الممتلكات المصادرة 

كما أحدثت اللّجنة الوطنيّة للتصرّف في الأموال والممتلكات المعنيّة بالمصادرة أو الاسترجاع لفائدة الدولة وفقا للمرسوم عدد 68 لسنة 2011 المؤرّخ في 2011/07/14  وتتمثّل مهامها في إتّخاذ جميـع الإجراءات المتعلّقـة بالحقـوق المرتبطة بالأوراق المالية والحصص والسّندات المعنية بالمصادرة أو الاسترجاع، كما تضبط إجراءات التفويت في الممتلكات المصادرة بمقتضى أدلّة يتمّ نشرها.

وتمّ إحداث كتابة قارّة للّجنة الوطنيّة للتصرّف ( صلب وزارة المالية) وتكليفها بتلقّي الملفاّت المحالة على اللّجنة الوطنيّة للتصرّف وإعدادها وعرضها على رأي اللّجنة ومتابعة تنفيذ القرارات بشأنها.

كما تتولى تقديم الاقتراحات للّجنة الوطنية للتصرّف بخصوص تعيين ممثلّين عن الدولة في الجلسات العامة في الشركات ذات المساهمات المعنية بالمصادرة أو الاسترجاع ومتصرفين وفي هياكل التصرّف والتسيير بالشركات ذات المساهمات المباشرة وغير المباشرة المعنية بالمصادرة أو الاسترجاع.

وتتولى أيضا مسك ومتابعة حسابية صندوق الأموال والممتلكات المعنية بالمصادرة وإعداد الملفّات المتعلّقة باختيار مراقبي حسابات الصندوق وعرضها على اللّجنة الوطنية للتصرّف.


الأملاك المصادرة

الشركات 

ضمّت قائمة الشركات المصادرة 107 شركات تنشط في قطاعات مختلفة  من بينها مجمع الكرامة القابضة لصخر الماطري صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

العقارات

بلغ عدد قرارات المصادرة المتعلّقة بالعقارات 663 قرارا إلى موفّى سنة 2020. وتضمّ القائمة عقارات مبنية وأخرى فلاحية وقصورا وإقامات خاصة. 

سيّارات ومنقولات أخرى

كما شملت المصادرة عشرات من السيارات الفخمة كانت على ملك الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وعدد من أقاربه، بالإضافة إلى جملة من المنقولات الأخرى.

التفويت في مساهمات الدولة بالشركات المصادرة

بلغ عدد قرارات التفويت في مساهمة الدولة في رأس مال الشركات المعنيّة بالمصادرة 84 قرارا في نهاية سنة 2020، إضافة إلى إقرار مبدأ التفويت في مساهمة الدولة في 35 شركة.

وقدّرت عائدات التفويت إلى موفّى 2020 بمبلغ خام قدره 2269 مليون دينار وذلك قبل طرح جملة التعهّدات المحمولة على المساهمات المفوّت فيها كالرّهون على الأسهم والقروض البنكية والمصاريف المتعلّقة بعمليّة التفويت.

الأموال المنهوبة بالخارج

لا تتوفّر أرقام دقيقة حول حجم الأموال المنهوبة والمكتسبة بطريقة غير شرعية تم تهريبها إلى الخارج، لكن تقديرات صادرة عن منظّمات دولية تشير إلى أنّ إجمالي المبالغ المكتسبة بصفة غير مشروعة والمودعة بمصارف أجنبية يبلغ حوالي 20 مليار دولار فيما تقدره منظمة الشفافية المالية التونسية (مؤسسة غير حكومية) بنحو 23 مليار دولار.

وتؤكّد السلطات التونسية أن بعض الدول تساهم في تعطيل الإجراءات.

وتشمل قائمة الدول التي توجد بها بعض الممتلكات والأموال المنهوبة، سويسرا وفرنسا وكندا وبلجيكا، وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ولبنان ولوكسمبورغ.

ولم تستطع تونس استرداد الأموال المهرّبة إلى الخارج باستثناء مبلغ 28.8 مليون دولار من حساب ليلى الطرابلسي أرملة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في بنوك لبنانية.‭‭

ملفات فساد تخصّ التصرّف في الأملاك المصادر  أمام القضاء 

وتحوم شبهات فساد حول التصرّف في الممتلكات المصادرة، وهي تحت أنظار القضاء. وتنظر الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس  في قضية شبهات فساد مالي بشركة “الكرامة القابضة” المكلفة بتسيير وبيع الأملاك المصادرة من عائلة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وأصهاره.

وتشمل الأبحاث عددا من المسؤولين السامين الذين سبق لهم ترؤس لجنة التصرف في الأملاك المصادرة من بينهم قضاة بالإضافة إلى عدد من المسيرين السابقين في شركة ‘الكرامة القابضة’.

اخلالات وتجاوزات ألحقت ضررا بخزينة الدولة

شاب التصرّف في الأملاك المصادرة نقائص متعدّدة ساهمت في عدم تحقيق الأهداف من وضع هذه المنظومة. ففضلا عن عدم تحصيل قسط وافر من المداخيل المقدرة ضمن قوانين المالية بعنوان المصادرة لم تمكّن مختلف التدابير المتخذة في جميع الحالات من بلوغ الغاية من إقرار قانون المصادرة والمتمثّلة في استردجاع الدولة للأملاك المكتسبة بصفة غير شرعية وبالتالي من تحقيق متطلبات المحاسبة ومقاومة الفساد

في تقريرها الصادر في جوان 2017، أشارت محكمة المحاسبات إلى أنّ لجنة المصادرة لم تتمكّن إلى موفى شهر فيفري 2016 من مصادرة كلّ الأملاك المعنية بالمصادرة،  حيث لم تتم مصادرة 27 عقارا ومساهمات في رأس مال 11 شركة وأرصدة بكية بما قيمته 2,655 م.د وأدى التأخير في إصدار بعض قرارات المصادرة إلى تفويت أشخاص معنيين بالمصادرة في ممتلكات شملت 5 عقارات وحصص في 3 شركات.

كما رصد التقرير مصادرة مبالغ أقل من المبالغ الموجودة في الأرصدة البنكية المشار إليها. 

وأشار تقرير دائرة المحاسبات إلى أن  بقاء الشركات المصادرة تحت منظومة التصرّف القضائي لفترة طويلة نسبيا ساهم في تدهور الوضعية المالية لهذه الشركات والتأثير على سيرها العادي حيث تمّ تسجيل تراجع ملحوظ للنتائج المحاسبية لـ 24 شركة مصادرة.

كما ترتّب عن الإخلالات في التصرف في بعض الشركات المصادرة إلحاق أضرار بمواردها.

ووذكر تقرير محكمة المحاسبات أنّ عدّة نقائص اعترت التفويت في العقارات والمنقولات تعلّقت أساسا بالتقييم ورفع الرهون وبمعالجة العوائق المتعلّقة بالعقارات ذات الطبيعة الخصوصية. كما تعلّق الأمر بنقص في شفافية عمليات التفويت وبضعف مردودية بعض الممتلكات المصادرة.

كما لوحظ تأخير في تسوية ملفات العقارات ذات الطبيعة الخصوصية على غرار العقارات الفلاحية والقصور مما أثّر على نسق إنجاز عمليات التفويت المتعلّقة بها وحرمان خزينة الدولة من موارد بهذا العنوان.

وأدى التأخير للبت في مآلات القصور والإقامات الخاصة على غرار قصر سيدي الظريف لمدة تجاوزت 4 سنوات وهو ما ساهم في تدهور وضعيته المادية.

وأشار تقرير دائرة المحاسبات في هذا الخصوص إلى تحمّل الدولة سنويا 700 ألف دينار بعنوان الصيانة، قبل أن يتمّ اتخاذ قرار في 2016 بالاحتفاظ بقصر سيدي الظريف لفائدة وزارة الدفاع الوطني.

"شاب التصرّف في الأملاك المصادرة نقائص متعدّدة ساهمت في عدم تحقيق الأهداف من وضع هذه المنظومة. ففضلا عن عدم تحصيل قسط وافر من المداخيل المقدرة ضمن قوانين المالية بعنوان المصادرة لم تمكّن مختلف التدابير المتخذة في جميع الحالات من بلوغ الغاية من إقرار قانون المصادرة والمتمثّلة في استرجاع الدولة للأملاك المكتسبة بصفة غير شرعية وبالتالي من تحقيق متطلبات المحاسبة ومقاومة الفساد." (تقرير دائرة المحاسبات 2017)

إعداد شكري اللّجمي
___________
مصادر الإحصائيات الواردة في هذا المقال:
موقع وزارة المالية
تقرير دائرة المحاسبات

شارك: