المخاطر العالمية وتأثيرها على تونس: تحديات وحلول لعام 2025
في عالم يواجه تحولات متسارعة وتحديات متعددة الأوجه، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي في 15 جانفي 2025 تقريره السنوي عن المخاطر العالمية. النسخة العشرين من هذا التقرير تستند إلى مسح عالمي شارك فيه أكثر من 11,000 قائد أعمال و909 خبيرًا من مختلف القطاعات في 113 اقتصادًا.
ويقدم التقرير نظرة شاملة على أهم المخاطر التي تهدد استقرار الدول والمجتمعات، مع تركيز خاص على تونس. وباعتباره الشريك الرسمي للمنتدى، تولّى المعهد العربي لرؤساء المؤسسات إجراء هذا الاستطلاع في تونس، مما مكّن من تحديد المخاطر الرئيسية التي قد تؤثر على مستقبل الاقتصاد التونسي.
لمحة عن التقرير العالمي
تم تصنيف المخاطر العالمية إلى خمس فئات رئيسية: اجتماعية، اقتصادية، تكنولوجية، بيئية، وجيوسياسية. ومن بين 33 خطرًا تم تحديدها عالميًا، برزت مخاطر البيئة مثل تغير المناخ ونقص الموارد الطبيعية كتهديدات رئيسية، إلى جانب القضايا الاقتصادية مثل الركود والتضخم.
وفقًا للتقرير، فإن نقص الموارد المائية والركود الاقتصادي يمثلان أبرز المخاطر التي تواجه العالم في السنوات القادمة، ما يعكس الحاجة الملحة إلى استراتيجيات تعاونية لمعالجة هذه الأزمات.
الوضع في تونس
تونس، التي شملتها الدراسة بشكل خاص، تواجه مجموعة من التحديات التي صنفها التقرير ضمن الأولويات القصوى لعام 2025.
وجاءت المخاطر الخمسة الأكثر تأثيرًا كما يلي:
أزمة نقص المياه: الخطر الأول حسب الدراسة، حيث يشير التقرير إلى أن تونس، التي تعتمد بنسبة 80% على الأمطار لتجديد مواردها المائية، تعاني من شح حاد في المياه بسبب التغيرات المناخية، حيث انخفضت حصة الفرد السنوية من المياه إلى أقل من 400 متر مكعب، مما يضعها ضمن الدول التي تعاني من الفقر المائي، إضافة إلى نسبة الهدر في شبكات توزيع المياه التي تتجاوز 30%، وهو ما يفاقم من شدة الأزمة.
الركود الاقتصادي: يمثل ثاني أكبر خطر يهدد تونس، مع تباطؤ النمو الاقتصادي، سجلت تونس معدل نمو بلغ حوالي 1.5% في 2024 مقارنة بمعدل 2.7% في 2023، وهو أدنى من المتوسط الإقليمي.
اضافة إلى البطالة أيضًا التي مازالت تمثل تحديًا كبيرًا، حيث يبلغ معدل البطالة 15.2%، مع ارتفاع النسبة بين الشباب إلى 35%.
أزمة الأمن الغذائي: تونس تعتمد بنسبة كبيرة على استيراد المواد الغذائية الأساسية مثل القمح، حيث تستورد أكثر من 60% من احتياجاتها.
ومع اضطرابات سلسلة التوريد العالمية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تجاوزت 20% خلال العام الماضي.
ارتفاع الدين العام: الدين العام التونسي تجاوز 110% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يضع ضغوطًا كبيرة على الحكومة لتحقيق استقرار مالي.
التضخم: تضخم الأسعار وصل إلى 9.8% في ديسمبر 2024، مع تأثير مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين.
مقارنة إقليمية
بالمقارنة مع دول الجوار مثل المغرب الذي يواجه تحديات مشابهة في نقص المياه، لكنه يتميز ببنية تحتية أكثر تطورًا لإدارة الأزمات.
كذلك الجزائر تعتبر أزمة البطالة فيها وانعدام الأمن الغذائي من أكبر التحديات، رغم وفرة الموارد الطبيعية.
أيضا مصر تشترك مع تونس في تحديات التضخم والركود الاقتصادي، لكنها تعتمد على استراتيجية موسعة لدعم الأمن الغذائي.
توصيات وحلول
يؤكد التقرير أن معالجة هذه التحديات تتطلب نهجًا شاملًا، يركز على التكيف مع المخاطر بدلاً من مجرد الاستجابة لها. ولحل مشكلة نقص المياه يمكن لتونس الاستفادة من التقنيات الحديثة لتحلية المياه وإعادة تدويرها، مع الاستثمار في مشاريع مثل محطات تحلية المياه في الجنوب التونسي قد يكون حلاً جزئيًا.
وفي علاقة بالأمن الغذائي فإن دعم الزراعة المستدامة وتشجيع الفلاحين على اعتماد تقنيات الري الذكي يمكن أن يقلل الاعتماد على الواردات.
أما حلول الديون العامة يكمن في تحسين الإدارة المالية ومكافحة الفساد مما قد يساهمان في تخفيف الضغوط المالية.
ومن بين حلول التضخم فإن دعم الإنتاج المحلي للحد من الاعتماد على الواردات يمكن أن يخفف من تأثير تقلبات الأسعار العالمية.
وقدم التقرير عدة توصيات لتونس وللدول الأخرى من أجل تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة الأزمات البيئية والاقتصادية، وتطوير بنية تحتية مرنة قادرة على التكيف مع تغير المناخ.
كما أن تبني سياسات شاملة للحد من البطالة وتعزيز فرص العمل للشباب يساهم في تحسين نظم الحوكمة وزيادة الشفافية في إدارة الموارد.
وتضع نتائج تقرير المخاطر العالمية لعام 2025 تونس أمام تحديات كبيرة، لكنها توفر أيضًا فرصة للتغيير، كما أن الاستجابة لهذه التحديات يتطلب قيادة قوية، ورؤية استراتيجية، وشراكات فعالة مع المجتمع الدولي. ويمكن لتونس أن تكون نموذجًا للدول النامية في كيفية تحويل الأزمات إلى فرص للنهوض وتحقيق التنمية المستدامة.
صلاح الدين كريمي
