الاخبار

من أجل عيون نتنياهو..ترامب ينتقم من الجنائية الدولية

من أجل عيون نتنياهو..ترامب ينتقم من الجنائية الدولية

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيفري 2025 فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية واتهمها بمعاداة أمريكا وحليفتها إسرائيل، في خطوة صادمة أشاد بها رئيس حكومة الدولة العبرية بنيامين نتنياهو، فيما نددت بها المحكمة التي اعتبرت أنها تهدد استقلاليتها وحيادها مؤكدة التزامها بمواصلة إحقاق العدالة.

عقوبات ترامب التي تشمل حظراً على السفر والتحكم في الأصول المالية، تعتبر خطوة تصعيدية تكرّس نهج ترامب الساعي إلى تقويض العدالة الدولية وتعزيز سياسة الإفلات من العقاب وكذلك الانتقام الأعمى الذي ينتهجه منذ عودته إلى البيت الأبيض، باعثا برسالة للعالم مفادها أن الولايات المتحدة وحلفائها فوق القانون الدولي.

 

وتعتبر العقوبات جزءا من السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أثار العديد من الأزمات والجدل منذ ترؤسه الولايات المتحدة الأمريكية نوفمبر 2024، لعل آخرها المتعلق بالسيطرة على قطاع غزة وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"  لحماية مصالح وحليفتها الرئيسية إسرائيل.

عقوبـــــــــــــــــــات وإعلان حالة الطوارئ

الخميس 6 فيفري 2025، وقّع ترامب أمرا تنفيذيا لفرض عقوبات على الجنائية الدولية، وأعلن حالة الطوارئ الوطنية للتعامل مع التهديد الذي تمثله جهود المحكمة"، منتقدا إصدارها أوامر اعتقال لنتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

وينص الأمر الذي وقعه ترامب أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن، على حظر دخول مسؤولين وموظفين في المحكمة الجنائية الدولية إلى الولايات المتحدة، وكذلك أقرباؤهم. كما يشير المرسوم إلى تجميد أصولهم في الولايات المتحدة.

وحسب نص المرسوم، فإن المحكمة الجنائية الدولية ''باشرت إجراءات غير قانونية ولا أساس لها بحق أمريكا وحليفنا المقرب إسرائيل''، في إشارة إلى تحقيقات فتحتها المحكمة في جرائم ضد الإنسانية، تستهدف جنودا أميركيين في أفغانستان وعسكريين إسرائيليين في قطاع غزة.

ولم يقع الإعلان بعد عن أسماء موظفي المحكمة الجنائية الدولية الذين فرضت عليهم العقوبات، ولكن المستهدفين وعائلاتهم لن يتمكنوا من دخول الولايات المتحدة.

المحكمة الجنائية الدولية تتمسك بمواصلة عملها

من جهتها، ندّدت المحكمة الجنائية الدولية ومقرّها لاهاي بالعقوبات الأمريكية التي تستهدف موظّفيها والإضرار بعملها القضائي المستقل والمحايد.

وقالت في بيان إنها "تندد بنشر الولايات المتحدة مرسوماً يهدف إلى فرض عقوبات على موظفيها والإضرار بعملها القضائي المستقل والمحايد'' وأنها تقف بحزم وراء موظّفيها وتلتزم مواصلة إحقاق العدالة وإعطاء الأمل من جديد لملايين الضحايا الأبرياء الذين قاسوا فظائع في العالم، في كلّ القضايا التي ترفع إليها".

من جهتها، أعربت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني  عن أسفها الشديد إزاء هذه العقوبات الفردية، داعية إلى الرجوع عن هذا التدبير.

كما أعربت هولندا التي تستضيف مقر الجنائية الدولية من جهتها عن "أسفها" بعد إعلان المرسوم. وأكد وزير الخارجية كاسبار فيلدكمب عبر منصة إكس أن "عمل المحكمة أساسي من أجل المعركة ضد الإفلات من العقاب". وقال رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف إن بلده سيسعى لضمان استمرار عمل المحكمة الجنائية الدولية.

بدوره حذّر رئيس المجلس الأوروبي أنتونيو كوستا من أن هذه العقوبات قد تهدّد استقلالية المحكمة، وتقوّض المنظومة القضائية الجنائية الدولية بنطاقها الواسع.

تاريخ المحكمة الجنائية الدولية ومهامها..

 

المحكمة الجنائية الدولية هي جهاز قضائي دولي لمواجهة جرائم الحرب والإبادة، تأسست بصفة قانونية سنة 2002 بموجب ميثاق روما، وتعمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب ومقاضاة مرتكبيها.

وتُجري المحكمة تحقيقات تتعلق بمناطق مختلفة مثل الأراضي الفلسطينية وأوكرانيا ودول أفريقية مثل أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وفنزويلا في أمريكا اللاتينية وميانمار والفيليبين في آسيا.

79 دولــــــــــة تحذر من تداعيات عقوبات ترامب

وإن أثار ترامب بقراره بهجة قادة الاحتلال، خاصةرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن العقوبات قوبلت بمواقف منددة متفرقة سرعان ما توحدت في بيان مشترك أصدرته 79 دولة عضواً في المحكمة.

وحذرت الدول الـ79 من أن العقوبات التي فرضها ترامب تزيد من خطر الإفلات من العقاب على أخطر الجرائم وتهدّد بتقويض سيادة القانون الدولي.

وجاء في بيانها ما يلي "باعتبارنا من المؤيدين الأقوياء للمحكمة الجنائية الدولية، فإنّنا نأسف لأيّ محاولة لتقويض استقلال المحكمة.. العقوبات من شأنها أن تقوض بشدة جميع المواقف التي تخضع للتحقيق حالياً لأن المحكمة قد تضطر إلى إغلاق مكاتبها الميدانية".

وسبق البيان الدول الأعضاء، مواقف أوروبية عدة منددة بقرار ترامب من بينها تأكيد الخارجية الفرنسية أن فرنسا وشركاؤها سيعملون على ضمان استمرار قدرة المحكمة الجنائية الدولية على أداء مهمتها بطريقة مستقلة ومحايدة، فيما قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن ترامب أخطأ في فرض عقوبات على المحكمة، كما قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن بريطانيا تدعم استقلالية المحكمة الجنائية الدولية ولا تعتزم فرض عقوبات على مسؤوليها.

ازدواجية المعاييــــــــــــــــــــــــــــر الأمريكية

عقوبات ترامب عرّت مجددا ازدواجية المعايير التي تعتمدها واشنطن مع قرارات المحكمة الجنائية الدولية.

ففي 24 نوفمبر 2024، هاجم الرئيس السابق جو بايدن وأعضاء من الكونغرس المحكمة الدولية بسبب إصدارها أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، على خلفية ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

في المقابل، رحّب المسؤولون ذاتهم بمذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهم ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وقال وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن، في مارس 2023، إنه يجب على جميع الدول الأعضاء في المحكمة الالتزام بهذا القرار والوفاء بمذكرة الاعتقال ضد بوتين.


حرب أمريكية مبكرة ضد المحكمة منذ 2002

بدأت أمريكا حربا مبكرة ضد المحكمة الجنائية الدولية التي أُنشئت سنة 2002، وسارع الكونغرس حينها إلى إصدار قانون "حماية أعضاء الخدمة الأمريكية"، بهدف حماية أفراد القوات المسلحة والمسؤولين في الحكومة من التعرض للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وأطلقت حينها تسمية "قانون غزو لاهاي" بسبب فقرة فيه تنص على "السماح للرئيس باستخدام الوسائل الضرورية كافة لإطلاق سراح أي من أعضاء الخدمة الأمريكية سواء كان محتجزاً أو معتقلاً من قبل المحكمة أو بالنيابة عنها أو بأمر منها".

كما نص القانون على منع المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة أي إجراءات أو متابعات قانونية ضد الأشخاص المشمولين بحماية الولايات المتحدة الأمريكية أو المتحالفين معها.

وفي سنة 2020، وخلال ولاية ترامب الأولى، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية وحظراً على دخول أراضيها على المدعية العامة لدى المحكمة آنذاك فاتو بنسودة ومسؤولين رفيعين آخرين في الهيئة. وصدر ذاك المرسوم بعدما فتحت المحكمة التي وصفتها إدارة ترامب وقتها بـ"محكمة الكنغر" تحقيقاً في مزاعم جرائم حرب منسوبة إلى جنود أمريكيين في أفغانستان. 

ورفع جو بايدن في 2021، العقوبات المفروضة على المحكمة بعد تولّيه الرئاسة. فيما طرح مجلس النواب الأمريكي في جانفي 2025، مشروع قانون لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لكن نواباً ديمقراطيين اعترضوا عليه بحجّة أنه قد يرتدّ سلباً على حلفاء الولايات المتحدة والشركات المتعاونة معها.

ترامب لا يعتــــــــــــــــــــــــرف بالمحكمة

معاداة ترامب للمحكمة الجنائية ليس بالجديد ويعود لسنوات، وسبق أن هاجمها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2018 واعتبر أنها دون سلطة ولا شرعية، خلال ولايته الرئاسية الأولى. وقال حينها ''لن نسلم أبداً سيادة أمريكا لبيروقراطية عالمية غير منتخبة وغير خاضعة للمساءلة".

وفي مارس 2020، قضت المحكمة الجنائية الدولية بأنها يمكن أن تفتح تحقيقات في جرائم حرب محتملة في أفغانستان تورطت فيها القوات الأمريكية وحركة طالبان والقوات الحكومية الأفغانية. 

وبعد أشهر قليلة، وقع ترامب أمراً تنفيذياً يجيز فرض عقوبات على المدعين العامين والمسؤولين في المحكمة. وقال حينها إن تصرفات المحكمة "تهدد بالتعدي على سيادة الولايات المتحدة". 


 

- تم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج الصور  

شارك: