عالم الوكايل بالعاصمة: معاناة لا تنتهي.. وأمل لا ينقطع (صور وفيديو)
روبورتاج من اعداد: شكري اللجمي
تصوير ومونتاج فيديو: صابرين درويش
عندما فتح لمجد باب غرفته انبعثت منها رائحة الرطوبة القوية التي قد يستحيل على شخص تحمّلها لعدد قليل من الساعات فما بالك أن يقضي فيها انسان ايامه ولياليه لمدة تجاوزت الثلاثين سنة.
''حياتي عذاب''
في هذه الغرفة الكائنة باحدى ''الوكايل'' بالعاصمة يعيش لمجد عرفاوي منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولا يزال رغم الظروف القاسية، الاّ أنّه ومع ذلك لا يزال يحدوه أمل بأن يتبدّل حاله يوما ويستطيع أن يعيش في مكان يليق ببني البشر.
إنّه ليس الوحيد الذي يقطن تلك الوكالة، الآيلة للسقوط، الكائنة بنهج باب الخضراء، اذ يقطن هناك قرابة الـ 20 شخصا بما فيهم عدد من العائلات.
في غرفته تكدّست الأدباش والأغراض المختلفة، ولكنها على كلّ ما تحتويه فإنها تبدو مرتّبة، اذ يحرص لمجد أن تكون كذلك، ففيها ينام و يستحم ويطبخ... وعليه أن يتدبّر أمره لقضاء حاجته البشرية ولنتخيل مدى معانتاه طيلة هذه السنوات فحياته ''عذاب''، هكذا يلخّصها لمجد...
حكاية لمجد هي فصل من فصول عديدة من المعاناة التي عايناها وتحدّث بخصوصها عدد من سكان الوكالة، الذين رفض بعضهم الحديث الينا، اذ انّهم سئموا الحديث الى وسائل الإعلام لأنّ ذلك لم يغير حالهم وفق ما أكّده عدد منهم، فيما تردّد البعض قبل أن يفصحوا عما يختلج في صدورهم.
في الغرفة المجاورة للمجد تقطن زينة، التي يناهز عمرها الستين، وهي تبدو اكبر من ذلك بسبب السكري والأمراض الأخرى التي اصابتها بسبب ظروف عيشها. اجتهدت زينة لتوظيب الغرفة لتسع عائلة مكوّنة من 4 أفراد فهي تعيش فيها بمعيّة أبنائها الثلاث (بنتان وولد)، فيما يتواجد الأب بعيدا لأسباب يطول شرحها، تقول زينة.
''في أيام الشتاء لا يمكنكم تخيّل معناتنا، ومع كلّ مطر ينزل يقطر سقف الغرفة فوق رؤوسنا''، قالت محدّثتنا بنبرة حزينة، وقد عمدت إلى الصاق قطعة كبيرة من البلاستيك بالسقف علّه يخفّف عنهم بعض المعاناة.
غير بعيد عن هذا المكان وفي نهج المنجي سليم تنتصب وكالة أخرى تشرف عليها المصالح البلدية، وهي تبدو في حالة جيّدة نظرا لأنّ البلدية تتعهّدها بالصيانة وان كان هناك بعض المتساكنين الذين عبّروا عن تخوّفهم من انهيار غرفهم.
تعيش منى في هذه الوكالة منذ ما يقارب العشرين سنة مع زوجها، الذي يعمل ''طياب'' بأحد الحمامات، واطفالها الثلاث في استوديو صغير يتكوّن من غرفة نوم واخرى للمعيشة ومرحاض ودش، فيما تمت تهيئة مكان للطبخ في مدخل ''الاستوديو''. تقول منية انّها راضية بما قسمه الله لها وتأمل أن يعيش أبناؤها مستقبلا في ظروف أفضل من هذه وهي لذلك تحرص على أن يواظب اطفالها على الدراسة التي تبقى أملهم الوحيد في تحسين ظروفهم يوما ما.
في هذه الوكالة المتكوّنة من طابقين، تعيش في الطابق العلوي بعض العائلات اضافة إلى عدد من الطلبة والعمال بمعلوم شهري رمزي يتراوح بين 10 و20 دينارا، فيما تُستغل المحلات الأخرى في الطابق الأرضي من قبل بعض ورشات الخياطة وكمستودعات للتجار بنهج المنجي سليم.
يسرى طالبة تبلغ من العمر 30 سنة وهي تعيش مع شقيقتها وأمّها في غرقة وحيدة، أما الحمام فهو بحاجة أكيدة الى الصيانة لأنّه قد ينهار بين لحظة وأخرى، حتى أنّ والدتها اضطرّت للإنتقال للعيش لدى احدى صديقاتها خوفا من أن ينهار...
غادرنا المكان وتوجّهنا إلى وكالة غير بعيدة عن ''بورت دو فرانس''، قابلنا زهير المشرف عليها منذ ما يقارب السبع سنوات. تتكوّن الوكالة من 14 غرفة تتسع كلّ منها لشخصين مقابل 90 دينارا شهريا للشخص الواحد، فيما يوجد مرحاضين اثنين مشتركين لسكان الوكالة التي لا تتوفر فيها أماكن للإستحمام.
يقول زهير إنّ أغلب سكان الوكالة، المخصّصة للرجال فقط، هم من العملة البسطاء (خدامة الحزام)، ينحدر أغلبهم من المناطق الداخلية، وعدد محدود من صغار الموظفين.
يلتجأ للسكن بهذه الوكالة العملة البسطاء القادمين من الجهات الداخلية بالنظر إلى تواضع معلوم الكراء مقارنة بالشقق والمنازل، البعض الآخر من المتساكنين هم من المطلقين، فيما يفضّل البعض الآخر العيش هنا بسبب مشاكل عائلية...
''مللنا الوعود''
الفقر وانعدام الموارد المالية الكافية هي القاسم المشترك بين جميع من تحدّثنا اليهم وإن بقوا لسنوات عديدة يقطنون بالوكايل فإنّ ذلك يعود لعدم توفّر أي فرصة أخرى للعيش في مكان أفضل وظروف أحسن، ورغم ذلك لم ينقطع الأمل لديهم في أن تلتفت اليهم السلطات، التي لا تتجاوب مع مطالبهم في أغلب الأحيان، وفق تأكيدهم، رغم العديد من الشكاوي التي قدموها ولا يزالون.
يقول لمجد انّه يقوم منذ سنوات بمراسلة السلطات لتحسين وضعيته وايجاد مسكن لائق يأويه، وأكّد أنّه راسل رئاسة الجمهورية في ثلاث مناسبات قبل الثورة، كما التجأ إلى مجلس النواب في مناسبات عدّة. ''الكل يعد ولكن لا شيء يتحقق''، قال لمجد بمرارة.
زينة أكّدت أنّها تلقت وعودا من احدى الجمعيات بتوفير مسكن لها ولأبنائها على وجه الكراء ولكنها ظلّت مجرّد وعود، فيما عدا ذلك تتلقى زينة بعض المساعدات العينية بين الحين والآخر ولكنها تبقى في حاجة إلى دخل شهري منتظم من الدولة لأنّ ما تكسبه ابنتها، العائل الوحيد لهم، لا يمكّنهم من توفير الحد الأدنى للعيش الكريم...