مسرحية 'ما يروِاش': تنتقد السياسة والتديّن وتنسج بالتهكم تصدع المجتمع
"أنا من أولي أعمى كيما هذا وهذاكا " و"أيّ أنا أعمى وفي بالي أما أنت لازمك تفيق يا أعمى يا بصير"، هكذا تحدّث ممثلو مسرحية "ما يراوش - BLACK OUT"، لمنير العرقي، الثلاثاء 18 جويلية 2023، على ركح مهرجان الحمامات الدولي إلى الجمهور الحاضر في محاولة لتحفيز ملكة التساؤل لديه واستفزاز عقله ليتفكر في من الأعمى الحقيقي فاقد البصر أم فاقد البصيرة فاقد الرؤية أو فاقد الوعي.
واختار العرقي لمسرحية "مايراوش BLACK OUT" فنّ العرائس نمطا ليجسّد من خلالها قضايا سياسية مع توجيه نقد لاذع لشعب يتبع قائدا لا يملك لا رؤية ولا قدرة على قيادته ، كما طرحت المسرحية قضية الاغتصاب مع شخصية "خضرا المهبولة" للممثلة المسرحية هناء الوسلاتي التي كونت بشخصيتها كما أراد لها منير العرقي تونس، تونس الوطن الذي اغتصب.
كما تحدّث المسرحية عن رش سليانة مع شخصية الأكوع الذي أصيب بساقه وعينه جراء الرشّ والتي جسد أطوارها الممثل المسرحي أسامة الوسلاتي الذي قال ''كنت سليم وعينا كحلة صوتي يلعلع حماة الحمى خبز وماء .. مات اللي مات واستشهد وأنا تقصت ساقي ووليت نكوع صدري بوزقار فلتو كعبتين سكنو في العين ولأخرى زينتلي خدي كبوسة الخال .. مانيش مسامح الرش لا الرش لا ".
"مايراوش" منذ الوهلة الأولى وعند قراءة العنوان يذهب ذهن المتفرج إلى مفاهيم 'العمى' و'النقص' والاعتماد على الآخر' وغيرها وبتطور أحداث المسرحية التي اقتبس منير العرقي أحداثها من رواية "العميان " التي تعود لسنة 1890 للكاتب البلجيكي موريس ماترلينك وتونسها وأضاف على الشخصيات أسماء وملامح تتماشى مع الأحداث في تونس فخيّر أن يسمي الاعمى رقم 1 والاعمى رقم 2 وغيرها باسماء تعطي دلالة على الشخصية وتقرب منها الجمهور فكانت شخصياته تحمل أسماء الأكوع والأعمش والحنين خضرا والصغيرة وغيرهم كما أضاف المونولوج بين الممثل والعروسة.
"مايراوش BLACK OUT" هي حكاية مجموعة من فاقدي البصر يقودهم شيخ التكية التي يعيشون فيها واتخذوا منها ملجأ يحميهم من الخوف ويقيهم البرد والحر ويؤمن لهم الطعام ومكانا للنوم وفي أحد الأيام يقرر هذا الشيخ الذي يلقبونه ب"سيدي الشيخ" بعد أن وعدهم بالشمس والشاطئ الانطلاق في رحلة البحث فيتوهون في الغابة فتبدأ أحداث المسرحية وتبدأ التساؤلات بخصوص مصيرهم في مكان لا يعرفونه إلا من خلال محاولة الاستماع إلى العناصر المحيطة به كما تبدأ الانقسامات بخصوص مساندة "سيدي الشيخ" الذي تركهم بمفردهم وهو في الحقيقة ميت بجانبهم ولا يعرفون لأنهم لا يرونه وبين معارضته ومحاولات "الاعمش" أو "الشايب" أخذ مكان القائد في حال لم يعد ورفض المجموعة والتمسك بالشيخ حتى بعد معرفة موته عن طريق كلب التكية الذي دلهم على مكانه وبتحسس وجهه البارد عرفوا بموته.
واللافت في المسرحية التناغم بين الشخصية والعروسة وصوت الممثل الذي يتلون مع كل حالة فتبدو لك وكأنها شخصية حقيقية بالإضافة إلى السحر الذي أضافته الإضاءة بثنائية العتمة والإنارة وكل هذا العمل نتاج لمختبر العرائسي للشبان الذي احتضنه المركز الوطني لفن العرائس و امتد من جوان إلى نوفمبر 2022 وضم عددا من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي بتونس ومعهد الفن الموسيقى والمسرح بالكاف.
"مايراوش" هي مسرحية عرائسية للكبار امتدت على 75 دقيقة خاطبت عقل الجمهور الذي تفاعل بالتصفيق مع مشاهد اغتصاب "خضرا " مع استمالة الشايب ووعده بمستقبل أفضل للمجموعة ومع مشهد الرش في نقد واضح وبيّن لواقع فئة مهمشة من فاقدي البصر وتعامل المجتمع مع قضايا لاغتصاب الذي تكون فيه المرأة الضحية لكنهم ينبذونها ويحملونها المسؤولية وصولا إلى نقد لاذع للوضع السياسي لما بعد الثورة ورغبة الزعامة والفردانية في سؤال دائم أو ليس السكوت عن هذا يسمّى عمى؟".
وجسد هذا العمل على الركح تمثيلا وتحريكا للعرائس كل من هيثم وناسي وفاطمة الزهراء المرواني وأسامة الماكني وهناء الوسلاتي وأسامة الحنايني وضياء المنصوري وإيهاب بن رمضان وأميمة المجادي ومحمد الطاهر العابد وعيد السلام الجمل وهو عمل من إنتاج المركز الوطني لفن العرائس ودراماتورجبا وإخراج منير العرقي وسينوغرافيا حسان السلامي وكوريغرافيا حافظ زليط كما كان في اعداد وتلحين الموسيقى المصاحبة أسامة المهيدي وأشرف على ورشة صنع العرائس الاسعد المحواشي وتكفل عبد السلام الجمل بتصميمها وتنفيذ الصنع وتصميم الملابس.
هيبة خميري