languageFrançais

سيدي بوزيد مهد الثورة.. بأيّ حال عدت يا عيد؟

اليوم ينقضي على ذكرى إندلاع الشرارة الأولى لثورة الحرية و الكرامة من مدينة سيدي بوزيد و من الربوع المجاورة التي عانت من قساوة التهميش والنسيان على مر عقود خلت أكثر من 4 ألاف يوم بالتمام والكمال.

ثورة انطلقت شرارتها الأولى حين أضرم محمد البوعزيزي بائع الخضر والغلال النار في جسده في واضحة النهار قبالة مقر ولاية سيدي بوزيد القديم وتحديدا على قارعة جنبات الطريق الرئيسية التي تشق مدينة سيدي بوزيد طولا، بسبب ضاغطة القانون أنذاك وتضييقه على الجوالين والمنتصبين العشوائيين من باعة الخضار مثله وغيرهم في ذلك الوقت، لتتأجج وتطفو على السطح  بالليل والنهار أياما متتالية في ذات المدينة ومنها الى مدن معتمديات الجهة ثم إلى الولايات المجاورة لتعم ويشتد وهيجها في سائر الجهات التونسية لإقتلاع جذور الحرية وإفتكاك السلطة من حاكم البلاد وقتها وإسقاط نظام برمته.

وتتالى الأحداث لتتقارب وجهات نظر الفاعلين والمساهمين في الثورة إلى حدّ ويتباحث ممثلو الأحزاب القديمة منها والحديثة في السبل الكفيلة لبناء تونس جديدة تونس و تتالت الأحداث بحلوها ومرها ...تحالفات سياسية... جبهات ... إنتخابات ...مراسيم وانتخابات وقوانين وظروف طبيعية وإجتماعية متنوعة ...و إنتخابات...و نجاحات ...و إحتجاجات في كل بر  ... غير أن آمال التونسيين  ما انفكت تتحطم وتتلاشى ساد البلاد  قلق عام  انعدمت فيه الثقة بين السلطة و المواطن و صار التونسيون  يتوقون إلى ثورة جديدة و يهددون بها في كل مرة و يطالبون بضرورة إقرار أو تفعيل  إجراءات فعلية تغير حياتهم اليومية، وتخفف من وطأة قساوة الظروف الإجتماعية و المادية و  الإقتصادية و حتى السياسية  التي زادت في إرباك الحياة اليومية و لا سيما في السنتين الأخيرتين مع تفشي  العدوى بفيروس كورونا المستجد  الذي كشف المستور و فضح عجز الجهات المعنية في إدارة الشأن الصحي بالبلاد أساسا و ترك كل ملفات الإستحقاقات الإجتماعية الجهوية من حيث  التشغيل و التنمية و الكرامة و العدالة الإجتماعية جانبا مما مهد إلى تكرار لحالات الإحتقان والتململ  في صفوف من لم يعودوا قادرين على تحمل مجرد وعود واهية من لدن من توالوا على حكم البلاد و لم يفلحوا في حسن التدبير مع شعب يريد أن يقطع مع الماضي الأليم ليحي عزيزا  كريما .

موزاييك نبشت في ذاكرة عدد من المفكرين و المثقفين  و الناشطين  في المجتمع المدني بجهة سيدي بوزيد في إطار الإستعدادات لتنظيم الذكرى الحادية عشرة لثورة الحرية و الكرامة ليقولوا كلمتهم في من ساسوا أمور البلاد و حكموها عقدا و نيفا من الزمن و في مستحقات الجهة التي و إن تغير الزمان و تغيرت الظروف فإنها لازالت عالقة في الرفوف ... 

* تبخرت الأحلام ...و توالت التنازلات 

وسام الضاوي ( نقابي ) قال  لموزاييك : "   السابع عشر من ديسمبر تاريخ عايشته لحظة بلحظة وسنة عشرة والفان تلفظ آخر أيامها...كانت أيام باردة مشحونة بنار التمرد...تمرد على نظام كان الجميع يظنه لا يقهر...تمرد ممزوج بأحلام وردية في مستقبل مشرق...أحلام حقيقية ببلد جديد لا يظلم فيه ضعيف ولا " يصفع فيه أمني مواطنا "...حلم برخاء إقتصادي بعد التخلص من العصابات المتنفذة...حلم بحرية وديمقراطية وشغل وكرامة....امتزجت الأحلام بدخان الأكريموجان بالدماء في بعض الأماكن...سقط النظام " المرعب" في مشهد كوميدي كما تسقط أوهن بيوت العنكبوت...وانقضى الشتاء ليأتي الربيع مفعما بأمل في تحقق أحلام ضاقت بها الصدور...انسحب الشتاء وطال إنتظار الربيع عله يأتي مسرعا أو أنه" في المنعطف الأول من الطريق "...لكن الربيع تمنع وبدأت رقعة الأحلام تنحصر و بعد أن كانت المطالب "شغل ,حرية,كرامة وطنية" أصبحت  "شغل,كرامة وطنية " لتتوالى التنازلات وسقطت الكرامة الوطنية من الأحلام والمطالب ليصبح الشغل آخر الأماني والأحلام الثورية...بعدها طبع الوطن والمواطن مع هزيمة الثورة وردتها حتى أصبح جزءا  من شعبي يحن للنظام " البائد " بعد أن جاع بعض بني وطني و أصبح الزيت" الصانقو" حلما أزاح أحلام الثورة ليتصدر مشهد الأحلام منفردا..


*خيرات و ثروات في مهب الريح...إلى متى ؟ 

و من جهته تحدث عبد العزيز السبوعي (  نقابي و سياسي)   عن عشرية تميزت بتخلي من حكموا البلاد عن شواغل أبناء جهة حبلى بثرواتها و خيراتها الطبيعية ليزدادوا فقرا و تهميشا و نقمة على الساسة و السياسيين  فقال: "   كانت مدينة سيدي بوزيد مسرحا لإنطلاق شرارة الإنتفاضة ذات شتاء 2010 إذ أقدم محمد البوعزيزي البائع المتجول على حرق نفسه قهرا وغبنا وتوسعت رقعة الإحتجاجات الليلية والنهارية ورغم التهديد والوعيد وارتفاع درجة القمع واصلت الجماهير المنتفضة إحتجاجاتها الى أن هرب رأس السلطة وعلق الشعب أمالا عريضة على ما حدث إلا أن الإنتهازية والوصولية و الرجعية عادت من جديد لتتربع على صدور الغلابا بأكثر وحشية ورغم الوعود والتسويق من قبل الحكومات التي ابتليت بها البلاد .

ولم تنل سيدي بوزيد حظها من التنمية كبقية الجهات منذ 1956 إلى يومنا هذا  رغم ما قدمته الجهة من تضحيات ولعل أبرزها إغتيال المناضل الحاج محمد البراهمي على يد فئة ظلامية  جلبت الدمار الى إلى التونسيين منذ توليها الحكم بعد 2010 كما قدمت الجهة شهداء  : ( سيدي بوزيد المدينة و الرقاب  و منزل بوزيان  ) ومع كل هذا لم تتحرك عجلة التنمية في هذه المناطق المنسية وتعطلت كل المشاريع بعد أن  استبشر البعض من أهالي  " المزونة "  ببعث مصنع  إسمنت من الوزن الثقيل حيث أقبل السماسرة والباعة و الوصوليون على الجهة مقدمين عروضا مغرية ووعودا تقضي  نهائيا على البطالة فتكررت تحاليل التربة ومسحت الطرقات داخل المنطقة الغابية ووعد المستثمر بتشيد سور لمقبرة المكان ولم يوف بوعده وطال ملف تحويل الأرض من الصبغة الغابية إلى الصناعية ولم يحل الملف إلى اليوم وتوالى المسؤولون على زيارة المكان للتدشين وصادف أن شيدت حجرة الأساس بإسم أحد المسؤولين إلا أنه تغير في آخر وقت فتم التنقل بأقصى سرعة ليتغير إسم المدشن على نفس الحجرة من الوجه الثاني و تواصل الكذب والنفاق وتصدر الموالون لحركة النهضة متابعة الموضوع سعيا منهم للظهور بأنهم هم الذين أتوا بالمشروع ولكن تبخر أمل الجميع ووقفت  " الزنقة "  بالهارب وآخرها تم وضع حاوية (مرحاض) ليكون مسك الختام لقبر هذا المشروع وكذلك كان الشأن في منزل بوزيان التي وعدت بمعمل آجر ليشهد ما تم في المشروع السالف الذكر .

ولا يقل منجم الفسفاط بالمكناسي أهمية عن الوعود الكاذبة فارتفع نسق الإحتجاج بالمدينة فيقابل بقمع أشد وحوصرت  المدينة بجهاز الأمن وعاش الأهالي الرعب والخوف وذهب أحد شبان المدينة ضحية لما داسته جرافة قرب المصنع الموهوم كما لم تستثن مدينة الرقاب مدينة الشهداء والمناصلين مدينة الراحل يوسف الصالحي من القمع   والهرسلة وآخرها إعتقال ثلاث شبان بعدما أقدم أحد جرحى الثورة على حرق نفسه تحت ضغط الفقر والقهر و عاشت المدينة أياما عصيبة فاختنق الجميع بالغاز المسيل للدموع مقابل إنقطاع غاز الطبخ .

وعن ميدان التربية يطول الحديث والتشريح للواقع المتردي للمؤسسات التربوية خاصة في المناطق الريفية التي لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة إنقطاع الماء بإستمرار بل إنعدامه في كثير من الأحيان في ظل إنتشار مرض التهاب الكبد ووباء " كورونا  " إضافة  إلى نقص في الإطار التربوي حيث تبقى المدارس بلا مدرسين الى حدود شهر جانفي في بعض الأحيان ويحرم التلميذ من الدرس ويتدنى المستوى.

كما تشكو العديد من المدارس إنعدام الحماية بالأسوار فتصبح المدرسة مرتعا للكلاب السائبة والحيوانات المهملة وبعض دعاة العنف الذين يتهجمون على الإطار التربوي ويعنفونه ....وكل هذا يحدث في ظل الاوضاع المتردية وما خفي كان أعظم إذ في غياب الإرادة السياسية للحكومات وإنعدام القرار السياسي للإرتباط الوثيق بأجندات أجنبية رأسمالية وإخوانية تسعى لتخريب الوطن بالشعوذة والتدجيل عبر جلب الدعاة وإقامة خيمات دعوية في الساحات (الرقاب مثالا) وأمام الكليات منبع العلم والمعرفة لقتل الذات وتشتيت المجهود ونهب الثروات ومناصرة المهربين والسماسرة للمحافظة على مصالحها ومصالح الموالين لها.

وعن مجلس النواب قال الأسبوعية "  يعجز القلم عن التعبير والصدر عن تحمل ترهاته إذ أصبح حلبة للصراعات التي لا علاقة لها بالهم اليومي  للمواطن فضاعت مصالح المواطن واستسلم الكثير من النواب لإملاءات رئيسهم وتبدد ت الأحلام ولم يسلم نواب سيدي بوزيد من الإنحراف عن الطريق إذ لم يناصروا قضايا جهتهم وصعوبات ناخبيهم الذين تعبوا وضحوا بمالهم ووقتهم ومصالحهم لييصلوا هم الى هذا المجلس ويتنكروا للأهالي ويجحدون فضلهم .

يواصل السبوعي كلامه " إلى أين يسير بنا المركب ؟ .أيها الجاثمون على صدورنا سيدي بوزيد تزخر بطاقات بشرية وفلاحية و منجمية تنادي فلاحيها نساء ورجالا ومثقفيها بالصوت العالي "في باطني خيرات وثروات تترقب هبتكم و وحدتكم ليتم إستغلالها وتفجير مياه ابارها وإستصلاح الأراضي لنضع حدا للبطالة والضياع ونعول على ذواتنا وطاقاتنا فهذه حكومات سماسرة ومهربين لا يرجى منها خيرا .لنتحد ونبني جسر أخوة ومحبة بين مختلف المعتمديات في هبة تضامنية متخلين عن الدكاكين الحزبية الضيقة و  اختيار الأجدر والأنفع رغم إيماننا بمحدودية الافاق في ظل حكومات لا علاقة لها بهموم شعبها.......

*  أمل فألم فحسرة و ندم في " بركات  " الديمقراطية ...

مروان عرفاوي ( رئيس مجلس بلدي ) تحدث بمناسبة عيد الثورة المعلن عنه في الأيام القليلة الماضية من طرف قيس سعيد رئيس الجمهورية عن عشريةكاملة انطوت و لم توف الشعب التونسي حقه في العيش الكريم و لم يستجب خلالها  حكام البلاد لأهم مطالبه التي انحصرت في  " شغل ؛ حرية ؛ كرامة وطنية  و عدالة إجتماعية "   فقال : " كانت حادثة حرق محمد البوعزيزي لنفسه بعد خلاف مع  " فادية حمدي "  أحد أعوان التراتيب البلدية  بسيدي بوزيد قادحا لحراك شعبي و صرخة فئات واسعة من المهمشين و المفقرين و المعطلين، كانت صرخة من أعماق نفوس ذاقت ذرعا من مرارة الظلم و القهر و الإستبداد.

صاح أبناء سيدي بوزيد بشعار مدو مزلزل : شغل حرية كرامة وطنية. و كان هذا الشعار المركزي لكل الإحتجاجات و المظاهرات التي جابت البلاد شمالا و جنوبا.

سقط النظام و كان سقف الأمال عال بغد أفضل و بتوزيع عادل للثروة و بوطن يوفر العيش الكريم لشعبه ، ما الذي حصل؟ 

تتالت السنوات بعد سقوط نظام بن علي حيث  كان منسوب الأمل في غد أفضل عال جدا و بدأ هذا الأمل يتآكل مع مرور السنوات ليتحول ألم و مرارة بل وصل عند البعض الى حسرة و ندم على الماضي.
فشلت الثورة لأنها لم تنجب طبقة حاكمة مؤمنة بشعاراتها بل تواصل حكم رموز النظام السابق (محمد الغنوشي، فؤاد المبزع، الباجي قائد السبسي…) ، ظهر بالكاشف أن الحراك الشعبي كان دون قيادات لها برنامج حكم و لم تكن هناك طبقة سياسية لها من الكفاءة و الدراية بدواليب الدولة حتى تمسكها أو تحكم قبضتها عليها لتوجيهها في ما يخدم الشعب و طبقاته المحتاجة فتواصل حكم الإدارة العميقة تحت غطاء الثورة و الديمقراطية.

بدأت الهوة تتسع شيئًا فشيئا بين أغلبية الشعب الباحث عن القوت و العيش الكريم و طبقة سياسية كان همها بناء نظام سياسي يضمن الديمقراطية و الحرية و يبعد الدكتاتورية و التفرد بالحكم و هنا ضاعت أهداف الثورة و مطالبها الحقيقية: الشغل و الكرامة و العيش الكريم.

غرق السياسيون و أحزابهم في كتابة الدستور الجديد و ما عرفته البلاد من صراعات هوية و فكرية و إستفحال الجماعات المتطرفة و الإرهابية ما أسفر عن إستشهاد بلعيد و البراهمي و عشرات الجنود و الأمنيين و المدنيين…

تحولت الثورة الى نقمة حيث لم ير فيها الشعب أي خير : مديونية، بطالة، تبعية، إرهاب و كان جواب من حكموا بعد الثورة افرحوا فقط لأنكم تعيشون في بركات الديمقراطية و مختلف تجليات الحرية بينما الشعب يئن تحت ويلات الفقر و البطالة و المرض…

فشلت أهداف الثورة لأن الحكام و أحزابهم تغيروا لكن لم تتغير المقاربات الإقتصادية و الإجتماعية ...لم يتغير المنوال التنموي الذي أفرز الفقر و البطالة و التفاوت الجهوي…
فشلت الثورة حين أفرغت من مضامينها الإجتماعية حيث الدولة الراعية و الساهرة على توفير العيش الكريم للجميع…
فشلت الثورة حين أفرزت لوبيات و مافيات وسعت شبكة الفساد و استشرى في البلاد تحت حماية أحزاب و منظمات انهمكت في اقتسام الغنائم و المكاسب و المناصب…
فشلت الثورة عندما غيب الإصلاح التربوي و الفعل الثقافي الهادف و الجاد…مثلا مهد الثورة سيدي بوزيد إلى اليوم لم ير متحف ثورتها النور، لا مسرح و لا سينما و حتى المسبح لم نسبح فيه يوما بعد…
فشلت الثورة ما دام  سكان الدواخل يشدون السفر الى الساحل للعلاج و حيث طب الإختصاص فهنا لا مستشفى جامعي و لا كلية طب…
فشلت الثورة و شبعت فشلا حتى كانت لحظة الخامس و العشرين من جويلية الماضي  كما سميت تصحيحا للمسار و إبعادا لطغمة حاكمة نكلت بالشعب و حرمته حتى من الأوكسيجين الطبي في مواجهة كورونا فنرجو أن يصحح المسار و توضع أهداف الثورة على السكة الصحيحة ليتنفس شعبنا هواء الحرية و الديمقراطية النقي المنبعث من حقول العمل و التنمية و الإنتاج تحت سقف العدل و النظام .


* أعداء الثورة خيبوا آمال صانعيها 

نسرين الغزلاني ناشطة بالمجتمع المدني أتت على أهم مضامين العشرية المنقضية حيث قالت :  " مرّ عقد من الزّمن على أحداث 17 ديسمبر 2010 و منذ إندلاعها مثلت إشكالا في أسباب قيامها و أهدافها و توظيفها وصل إلى حدّ التشكيك فيها على أساس أنها مؤامرة خارجية بأيادي داخلية للإطاحة بنظام الحكم أنذاك.

فبعد أن أقدم الشاب محمد البوعزيزي على إحراق جسده إحتجاجا على معاملة سيئة من قبل عون مراقبة بلدية إندلعت المظاهرات بصفة عفوية من أمام مقر ولاية سيدي بوزيد تضامنا مع البوعزيزي و إحتجاجا على البطالة و التهميش لا سيما أن البلاد تعيش عقودا من الإنغلاق بشأن الحريات و سطوة الحكم الفردي بعد الإنقلاب الناعم على بورقيبة..." 

توقفت نسرين عن الكلام هنيهة ثم واصلت حديثها قائلة  " لسنا هنا لنؤرخ و نوثّق لهذه الأحداث أو ما تلاها فوسائل الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعي و الذاكرة الجماعية الموضوعية تزخر بشواهد عديدة و متعددة إلا لمن أراد طمسها أو محموها.... 
 

أردنا فقط أن نذكّر بالشعارات الأساسية التي رفعت أثناء هذه الأحداث و يمكن إختزالها في شعار "شغل حرية كرامة وطنية..."

ومن منّا لم يذكر هذا الشعار هتافا أو كتابة.. و من منا لم يذكر كيف وقع تحويل وجهة الشعارات بعد سقوط النظام 

وفي ظل حكم الترويكا إلى شعارات أيديولوجية ، لقد عمدت  الحكومات و الاحزاب السياسية ما بعد الثورة إلى طمس هذا الشعار و قاموا بخلق شعارات و مطالب أخرى أو بتشويهها عن قصد فبالنسبة للتشغيل الضامن لبقية المطالب من حرية و كرامة  وطنية عمدت هذه السياسات إلى التشغيل الهشّ كالحضائرو الآلية يقابلها الإنتداب الذي أصبح حكرا على فئة معينة دون أخرى ما يسمى بتشغيل جماعة "العفو التشرعي العام".

لقد عمد المؤثرون السياسيون و الفاعلون بالسياسة إلى تشويه المسار الثوري عن قصد و هو ما يسمى بأصحاب الثورة المضادة لكن هذا النوع لم يؤثر كثيرا في تشويهها بقدر ما شوهتها إنتهازية بعض المنتسبين للثورة...

لقد عمد الفاعلون لتحقيق ديمقراطية سياسية وصلت إلى حد التقاتل داخل قبة البرلمان و في المقابل تغييب ديمقراطية إجتماعية أدت إلى محو الطبقة الوسطى و تعميم الفقر و الخصاصة..

وقالت الغزلاني "  إن ذكرى هذه الأحداث يبعث على المرارة و الخيبة... ثورة قدّمت فيها دماء و شهداء و كان الحلم هو التغيير المنشود و إنصاف من ساهم في هذا التغيير و لكن النتائج كانت مخيبة للامال و وقع التنكر بل وصل إلى حدّ التنكيل بكل من ساهم في ثورة 17 ديسمبر و عاد التضييق على الحريات  و اعتقال و مقاضاة المدونين و تم تكريم أعداء الثورة  و المشككين فيها  و من  لم يساهم و لو بكلمة فيها... "

إن الفعل الثوري هو فعل يسعى إلى التغيير نحو الأفضل بمنأى عن النتائج التي تفضي إلى المصالح الشخصية...فمميزات أحداث 17 ديسمبر كانت عفوية استجابت إلى عمق الضمير الجمعي الوطني و لم توجّه من طرف فئة سياسية بعينها بل ساهم في تأجيجها وطنيون أحرارا و شباب حرّ عانى التهميش و الحرمان و التسلط و آمن بضرورة التغيير و لكن أين ذاك الشباب و أين الوطنيين طيلة هذا العقد من الزمن.

و من مميزات الثورة التونسية أنها تأبى أن تشتغل بفضل قيادة سياسية معينة، فإجراءات 25 جويلية ابرز دليل على ذلك... لقد تحرك عمق الضمير الجمعي الوطني بدون قيادة أو إرادة سياسية معيّنة و أحدث تغييرا. تماهت معه شخصية رمزية ألا وهي شخصية رئيس الجمهورية و عبرت في خطاباتها و قراراتها عن إرادة هذا العمق و بادرت بقرار هام ألا و هو الذهاب مبكرا إلى المدينة التي شهدت أحداث 17 ديسمبر و إقرار هذا التاريخ كتاريخ رسمي بدلا من 14 جانفي.. و هذا القرار لا يبدو  مهمّا في شكله و لكنه مهم في مضامينه حيث أنه يراد القول سنبدأ بتصحيح المسار الثوري بدآ من رمزية هذا التاريخ و رافق هذا القرار العديد من القرارات منها محاربة الفساد و اصلاح المنظومة القضائية التي يجب أن تكون في حل من الضغوطات و الإرتباطات التي تؤثر على آدائها. لكن يبقى السؤال مطروحا ،إلى متى يتم تهميش الشعار  الأساسي للثورة " شغل حرية كرامة وطنية" ؟ هل هناك أمل أن يشتغل أبناؤنا شغلا يضمن كرامتهم و حريتهم ؟

*  " سيدي بوزيد لاتكون إلا بوجه مختلف " 

" عيد بأي حال عدت يا عيد " هكذا ابتدا عبد الحكيم شلباوي (نقابي و ناشط في المجتمع المدني ) ثم واصل حديثه "  إن كنا سنقول بأن هناك تحسنات فمن أين رغم أن هناك تحولات سياسية عميقة ولكن هل تهم المواطن.؟ حتى لا نكون عدميين لا بد من الإشارة إلى  سنة "  الكوفيد  "  التي كانت قاتلة وعرت الوجه الحقيقي المتأزم لتونس وحقيقة تداعى كل شيء حتى أن الدولة قد فقدت بريقها  وأصبح المواطن يكره الجميع ، الساسة والمنظمات والوعود . وكل شيء  حتى ان عجوزا قال لي :  "  لو يحلو الحدود والله ما بقيتها " .

وأضاف الشلباوي قائلا " إن شاء الله تتعافى البلاد وتعود عجلة الإقتصاد للدوران إذا استطاع الرئيس أن يمسك البلاد  بدقة و بصفة  جيدة بعيدا عن  " شد هذا وسيبو   وهاو طلع ما عندو شئ " 
أذهب الى المشاكل العميقة من قبيل تشغيل الشباب  وفتح ملفات الطاقة والتهرب الضريبي والأموال المنهوبة .

الاحتفال في سيدي بوزيد بتاريخ الثورة الحقيقي لابد أن يتواصل وهاجا فكبرى المشاكل لا تحل ب " القاطو والجلسات وبوس خوك "  سوق الانتاج الكبرى و المستشفى الجامعي والمجلس الأعلى للجمعات المحلية والغاز المنزلي والطرقات السريعة والسيارة هذه ملفات  " ما يجيبها كان الحامي والحامي ما تجيبو كان المظاهرات " حتى ولو كان قيس سعيد رئيسا .

سيدي بوزيد الغد لا تكون الا بفعل مختلف "

محمد صالح غانمي