languageFrançais

خفايا وكواليس ملف البنك الفرنسي التونسي

بعد أربعة عقود من الزمن تمّ الحسم في أكبر قضية تحكيمية في تاريخ تونس والمتعلّقة بالنزاع القائم بين الدولة التونسية، والشركة العربية للاستثمار ABCI، الشريك الأساسي في البنك الفرنسي التونسي، حيث أعلنت وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية نهاية الأسبوع الفارط، أنه تم الحسم في المنازعة التحكيمية لصالح الدّولة التونسية.

وبمقتضى الحكم القضائي الصادر اليوم 22 ديسمبر 2023، فإنه يتعين على الدّولة التونسية دفع تعويض قدره 1.106.573 دينار بعد عن أن كانت طلبات الخصم تناهز 37 مليار دينار تونسي.

عديد التطورات والمستجدات من رفع دعاوي قضائية واللجوء للإجراءات التحكيمية الدولية وعديد المحاولات الصلحيّة أيضا عرفها هذا الملف، لوضع حد نهائي لهذا النزاع و لكنها باءت كلها بالفشل، وفي هذا الإطار، تحصّلت موزاييك حصريا على معطيات رسمية حول النزاع القائم بين الدولة التونسية والمجموعة العربية الدولية للأعمال، بشأن مساهمة هذه المجموعة في رأس مال البنك الفرنسي التونسي وتطورات هذا النزاع وصولا إلى تقرير هيئة الحقيقة والكرامة.

أصل الخلاف:

سنة 1981 قررت الجلسة العامّة الخارقة للعادة للبنك الفرنسي التونسي النعقدة بتاريخ 18 جوان 1981، الترفيع في رأس مال البنك من 1 مليون دينار إلى 5 مليون دينار ، وفي أواخر الستة ذاتها طلب الأمير بندر بن خالد بن عبد العزيز بمقتضى مراسلة ممضاة من طرف مستشاره القانوني وممثل شركاته في السعودية عبد المجيد بودن، المساهمة في الترفيع في رأس مال البنك . حيث تحصلت المجموعة العربية الدولية للأعمال ABCI شركة انقليزية، مقرّها جزر الكايمان ورئيسها عبد المجيد بودن على الموافقة المبدئية.

وبالرغم من إعلام هذه الشركة بالشروط الخاضعة لها عملية التحويل ومن أنها لم تتحصل على التراخيص النهائية، إلآ أنها قامت بتاريخ 27 جويلية 1982، بتحويل مبلغ 4،3 مليون دولار أي ما يعادل 2,5 مليون دينار من حساباتها ببنك سويسري بعنوان مساهمتها في الترفيع في رأس مال البنك الفرنسي التونسي، لكن لم يكن بالإمكان قبول تحويلات هذه الشركة في شراكة بنكية قبل استكمال إجراءات التأسيس نهائيا.

وبناء على كل ما سبق قامت الشركة التونسية للبنك، بوصفها المساهم الرئيسي، بتغطية كامل مبلغ الترفيع في رأس مال البنك الفرنسي التونسي التي تم اكتتابه من قبل مجموعة ABCI بما أن التحويل كان مخالفا للتراتيب القانونية، ليشتعل فتيل النزاع بين الدولة التونسية والشركة العربية للاستثمار.

واختارت إثر ذلك، الشركة العربية للاستثمار ومِن ورائها عبد المجيد بودن، التوجه إلى التحكيم الدولي المركز الدولي للتحكيم في قضايا الاستثمار)، فيما قرّرت الدولة التونسية إلى القضاء التونسي من أجل حسم النزاع

المسارات القضائية:

بعد سنتين من الخلاف، وبمقتضى مراسلة بتاريخ 21 مارس 1984 تمّ الاتفاق بين البنك المركزي وعبد المجيد بودن بوصفه الممثل القانوني لمجموعة (ABCI) على تفعيل الشراكة المعطّلة والإمضاء على محضر جلسة مؤرخ في 23 مارس 1984، يلتزم بمقتضاه عبد المجيد بودن عدم المطالبة بالفوائد الناجمة منذ جويلية 1982 وفي المقابل تلتزم الشركة التونسية للبنك ببيع 500 ألف سهم  بسعر 4,250 د للسهم الواحد أي بثمن أقل من القيمة الإسمية لتعويض الضرر الحاصل لقاء تجميد الأموال، على أن تبدأ الشراكة الفعلية بين البنك الفرنسي التونسي ومجموعة (ABCI)  في نهاية جويلية 1984.

وبناء على ما ورد بالاتفاق المبرم في 23 مارس 1984 قامت الشركة التونسية للبنك بالتفويت في 500 ألف سهم لصالح مجموعة (ABCI)  بسعر 4,250 دينار للسهم الواحد.

ورغم هذه التسوية، طلبت مجموعة (ABCI) من البنك المركزي في 31 جويلية 1984 تسوية وضعية ما تبقى من المبلغ المحول في 28 جويلية 1982 والفوائض المترتّبة عن، وتعتبر المطالبة باسترجاع الفارق بين القيمة الإسمية للأسهم ومبلغ الاكتتاب والذي قدره 375 ألف دينار والفوائض المترتبة عنه مجانبا للصواب حيث أنّ الاتفاق المبرم نصّ على التزام عبد المجيد بودن بالكف عن المطالبة برجعية فوائض المساهمة المودعة في 27 جويلية 1982.

ووعدت مجموعة (ABCI) من خلال مراسلة لعبد المجيد بودن بالمساهمة بالرصيد المتبقي والبالغ 375 ألف دينار في دعم مجهود الاستثمار بتونس وتحديدا بناء كليّة الأداب برقّادة، وليتضم بعدها عبد المجيد بودن لمجلس إدارة البنك الفرنسي التونسي منذ أوت 1985، إلاّ أن مجموعة (ABCI)  اعتبرت أنّ هذه الوضعية لا تعكس نسبة وأهميّة مشاركتها في رأس مال البنك.

 كما أنّ قرار الجلسة العامّة الخارقة للعادة للبنك المنعقدة في 19 أوت 1986 والقاضي بفصل مهام رئاسة مجلس الإدارة عن مهام المدير العام للإمتثال لمقتضيات القانون الذي يشترط أن يكون الرئيس المدير العام حاملا للجنسية التونسية وفي صورة فصل المهام بين رئيس مجلس الإدارة والمدير العام يجب أن يكون أحدهما حاملا للجنسية التونسية.

تواصلت العلاقة متوتّرة بين كتلتي المساهمين للبنك الفرنسي التونسي، مما أدّى إلى استقالة عبد المجيد بودن من عضوية مجلس الإدارة في جانفي 1987.).

وللحد من توتر العلاقة بين كتلتي المساهمين للبنك الفرنسي التونسي اتفق الطرفان على تعيين مجلس إدارة جديد متكون من 4 أعضاء مناصفة إلآ أن  مجموعة (ABCI) رفضت قبول المترشح الثاني لمجموعة الشركة التونسية للبنك وبذلك اقتصر مجلس الإدارة على ثلاثة أعضاء، ما أتاح لعبد المجيد بودن التصرّف في البنك لمدّة امتدّت على سنتين تولى فيها العديد من العمليات التي تستوجب المؤاخذة، خاصة منها تعيين حسين محسن (بائع بطاقات بريدية) عضوا بمجلس الإدارة وتعيين الطاهر بورخيص مديرا عامّا للبنك

وتبعا لذلك كلّف عبد المجيد بودن المدير العام للبنك الفرنسي التونسي (الطاهر بورخيص) ومراقبها العام (رضا قريرة) بمراسلة المجموعة ABCI بتاريخ 30 أفريل 1987 لإقتراح تسوية النزاع المتعلّق بالأموال المجمّدة بين 1982 و1984 بشكل نهائي وصرف مبلغ 2.931.364 دولار لفائدة المجموعة.

كما قام الطاهر بورخيص بوصفه المدير العام للبنك ودون إعلام المساهم الرئيسي (الشركة التونسية للبنك) والحصول على ترخيص مسبق من وزارة المالية والبنك المركزي التونسي، باللجوء إلى التحكيم الدولي (بين البنك الفرنسي التونسي ومجموعة ABCI لدى هيئة التحكيم بالغرفة التجارية الدولية CCI بباريس  التي أصدرت حكمها بتاريخ 23 جويلية 1987 والقاضي بتغريم البنك الفرنسي التونسي بمبلغ 3,3مليون دولار لفائدة المجموعة العربية الدولية للأعمال وتمّ إكساء هذا الحكم الصبغة التنفيذية بالحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بتونس بتاريخ 24 سبتمبر 1987، كما تحصّل هذا القرار التحكيمي على الصيغة التنفيذية من المحكمة الابتدائية بباريس في 3 سبتمبر 1987.

لم تعلم السلطات التونسية بالحكم الصادر في 23 جويلية 1987 إلا في 10 نوفمبر 1987 عندما أعلمت الشركة التونسية للبنك البنك المركزي التونسي بالحكم الصادر والالتجاء للتحكيم في نطاق السرية التامة وفي إطار التحيل.

من جهة أخرى ووفقا لمقتضيات القانون، قام مراقب الحسابات، بتاريخ 30 ديسمبر 1987 بالإعلام بالجنايات المقترفة والتي تمّ الكشف عنها أثناء أداء مهامه والأشخاص المقترفون لهذه الجنايات.

وبإحالة الملف على الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس قضت هذه الأخيرة، في جلستها المنعقدة بتاريخ 22 مارس 1989 بسجن عبد المجيد بودن لمدّة أربعة أعوام من أجل إيثار شركة على شركة أخرى مع عقوبة بالسجن لمدّة عامين لكل من عبد المجيد بودن و محسن حسين ومصطفى بودن والطاهر بورخيص بعنوان الجرائم الصرفية مع تمتيعهم بتأجيل التنفيذ.

كما قضت الدائرة بتخطئة المتهمين بالتضامن بخطية أولى قدرها 2,752 مليون دينار وبخطيته ثانية قدرها 13,761 مليون دينار.

أدّت التوترات والتجاذبات التي شهدها البنك على مستوى هياكله وإجراءات التصرّف فيه إلى تعيين متصرّف قضائي واضعا حدّا لفترة إدارة البنك من طرف عبد المجيد بودن وجماعته والتي امتدّت من 19 فيفري 1987 إلى 17 جانفي 1989.

أسبوعا بعد تعيينه، قام المتصرّف القضائي باستصدار إذن على عريضة تم بمقتضاه تعيين ثلاثة خبراء للتدقيق في الوضعية المالية للبنك.

ورد بتقرير الخبراء خلاصة للأعمال المنجزة وسردا مفصّلا للتجاوزات والمخالفات العديدة والمتعدّدة التي تم الكشف عنها على غراراعتماد مصاريف باهضه ومشطّة فاقت مبلغ 700 ألف دينار في موازنات 1986 و1987 التي عرضت على الجلسة العامّة. وهذه المصاريف تخصّ التنقّل والتصرّف لفائدة عضو من أعضاء مجلس الإدارة.

كما أشار الخبراء، استنادا إلى دراسة الوضع المالي للبنك وعلى معطيات البنك المركزي، إلى أن المؤسسة على أبواب الإفلاس.

جوان 1989 : الصلح مجدّدا....

على إثر صدور الأحكام الجزائية المشار إليها سلفا وسعيا لوضع حدّ للخلافات المتواصلة لقضيّة البنك الفرنسي التونسي والتي لا تخدم أي طرف من أطراف النزاع تمّ الاتفاق على محضري صلح بين الشركة التونسية للبنك ومجموعة (ABCI)

تمّ إمضاء هذا الاتفاق بتاريخ 7 جوان 1989 من طرف مجموعة (ABCI) وبتاريخ 12 جوان 1989 من قبل الشركة التونسية للبنك والذي ينصّ على ما يلي :

-تفوّت مجموعة (ABCI) في الأسهم التي اشترتها سنة 1984 من الشركة التونسية للبنك ولفائدتها بنفس سعر الشراء (4,250 دينار للسهم الواحد)
-تلتزم مجموعة (ABCI) بدفع مبلغ 2,125 مليون دينار كتعويض عن سوء تصرّف عبد المجيد بودن خلال إدارته للبنك في الفترة الفاصلة بين 19 فيفري 1987 و17 جانفي 1989.
-منح مجموعة (ABCI) مبلغ مليون دينار تعويضا لها عن شراكتها في البنك الفرنسي التونسي
-تخلّي مجموعة (ABCI) عن المطالبة بتنفيذ حكم غرفة التجارة الدولية بباريس بتونس أو خارجها
-تخلّي الطرفين عن الإجراءات الجزائية الجارية مع التعهّد بالإمتناع عن القيام بأي إجراءات قانونية أو تحكيمية بتونس أو خارجها.

 بين وزير التخطيط والمالية وعبد المجيد بودن....

بناء على مقتضيات القانون عدد 18 لسنة 1976 المؤرّخ في 21 جانفي 1976 الذي يخوّل لوزير المالية "إبرام مصالحة مع مرتكب الجريمة وضبط شروط هذه المصالحة بنفسه قبل الحكم أو بعده تمّ إبرام صلح بين وزير التخطيط والمالية وعبد المجيد بودن بتاريخ 3 جويلية 1989 يقضى بما يلي :

-التزام عبد المجيد بودن بوضع حد نهائي و بدون رجعة للمخالفة الصرفية و كذلك بعدم تنفيذ القرار التحكيمي بتونس و خارجها.

-التزام عبد المجيد بودن بعدم القيام ضد الدولة التونسية بصورة مطلقة بأي دعوى قضائية أو تحكيمية أمام أية هيئة كانت دولية أو غيرها بتونس أو خارجها تتعلق مباشرة بتلك المساهمة أو بالتخلي عنها.
-تخلى وزير التخطيط و المالية عن استخلاص الخطية المالية التي قضت بها المحكمة الابتدائية بتونس في القضية الجناحية المتعلقة بمخالفة الصرف مقابل دفع الدينار الرمزي لفائدة الدولة .
-تمكين المشاركين لعبد المجيد بودن في ارتكاب الجنحة الصرفية من الانتفاع بالصلح وهم على التوالي كل من مصطفى بودن وحسين محسن والطاهر بورخيص .

عبد المجيد بودن يتراجع عن اتفاق الصلح...

نفذت الأطراف التونسية كامل بنود اتفاق الصلح و تنازلت عن تنفيذ الحكم الابتدائي و رفع قرار تحجير السفر مع دفع مليون دينار لفائدة مجموعة ABCI .

و قبلت مجموعة (ABCI) مبلغ المليون دينار و طلبت إيداعه في حساب يفتح بالبنك الفرنسي التونسي باسمها وتم الاتفاق على منحها فائض على المبلغ المودع .

إلا أن عبد المجيد بودن أحجم عن استعمال الحساب و أعرب عن تراجعه عن اتفاقية الصلح ورفض ذلك بدعوى إبرامها تحت الإكراه مقررا الفرار إلى الخارج في أواخر سنة 1991.

نتج عن فرار عبد المجيد بودن ونكوثه عن إتفاقتي الصلح الرجوع إلى المسار القضائي حيث حوكم بودن غيابيا ب20 سنة سجنا و خطية ب30 مليون دينار.

بعد فراره من تونس واصل عبد المجيد بودن رفع قضايا ضد الدولة التونسية :

سنة 1993 : شكوى قصد الإعتراف بحكم غرفة التحكيم الدولى بباريس بتاريخ 23 جويلية 1987 و محاولة إكسائه بالصيغة التنفيذية على التراب البريطاني .
سنة 1994 : شكوى لغاية تجريم البنك الفرنسي التونسي والتعويض للمجموعة عن الضرر الذي لحقها نتيجة ما اعتبرته تقديم معلومات مالية مغلوطة لغاية دفع المجموعة للإكتتاب في رأس مال البنك الفرنسي التونسي.

سنة 1995 : شكوى قصد إلغاء الإتفاق المبرم بين مجموعة (ABCI) و البنك الفرنسي (وليس الاتفاق المبرم مع وزير التخطيط و المالية) بدعوى إبرامه تحت الاكراه .

إلا أن القضاء البريطاني المتمثل في محكمة الاستئناف بلندن قضى بعدم سماع الدعوى في هذه الشكوى وأقرّ بذلك بصحّة الصلح بأعتبار أن التهديد بمقاضات عبد المجيد بودن و شركائه أمام العدالة لا يمثّـل إكراها على معنى القانون و لا يبطل عقد الصلح .

كما قضت المحكمة بالنسبة للشكوى الثانية بتغريم مجموعة (ABCI) بمبلغ 105 ألف جنيه أسترليني كأتعاب تقاضي لفائدة البنك الفرنسي التونسي. إلا أن البنك لم يتمكن من الحصول على هذه التعويضات المالية نتيجة تغيير مجموعة (ABCI) لأسمها و لمقرها الإجتماعي بصفة متواصلة و متكرّرة.  

بعد فشلها في تنفيذ ما كانت قد التزمت به في نطاق الصلح، تقدّمت مجموعة (ABCI) بمطلب تحكيم لدى المركز الدولي لفضّ نزاعات الإستثمار CIRDI بتاريخ 7 جانفي 2004 .وأصدرت هيئة التحكيم المنتصبة صلب المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار بتاريخ 17 جويلية 2017 قرارا تحكيميا يقضي بمسؤولية الدولة التونسية.

تشكّـل هذه المسؤولية الإلتزام على الدولة بالقيام بالتعويضات اللازمة عن فعل أو امتناع عن عمل يتعارض مع إلتزاماتها الدولية سواء نسب إليها مباشرة أو إلى هيئاتها و سواء كانت دولة أخرى هي نفسها الضحية أو رعايا هذه الأخيرة أو ممتلكاتهم.

واستندت هيئة التحكيم في حكمها القاضي بإقرار المسؤولية خاصة وأساسا على قرار محكمة التعقيب التونسية فيما يتعلق بتمتيع عبد المجيد بودن بالعفو التشريعي العام والمؤرخ في 13 أكتوبر 2012 تحت عدد 113.

واعتبرت هيئة التحكيم هذا العفو التشريعي كوسيلة لإثبات اعتراف الدولة التونسية بمسؤوليتها عن الإجراءات التعسفية والتمييزية التي اتخذتها مختلف أجهزه الدولة والهياكل الأخرى التي تكون الدولة مسؤولة عنها، ضد عبد المجيد بودن ومجموعته، مما يمثل كذلك اعترافا من جانبها بانتهاكها لمبدأ المعاملة العادلة والمنصفة..

وتجدر الإشارة أن موضوع أتفاق 31 أوت 2012 وكذلك مسألة تمتيع عبد المجيد بودن بالعفو التشريعي العام بمقتضى قرار محكمة التعقيب بتاريخ 16 أكتوبر 2012، كانا محلّ خلاف جدّي و معارضة كبرى من قبل العديد من المسؤولين.

المرحلة الأخيرة من التقاضي....

انتقلت الهيئة التحكيمية إلى المرحلة الثانية والنهائية في النزاع والمتمثّلة في تقدير الأضرار وقيمة التعويضات المناسبة.

كان من المقرر أن تبت الهيئة التحكيمية في القضية في موفّى ديسمبر 2018 إلاّ أن استقالة المحكم المكلف من الطرف التونسي )BRIGITTE STERN) دون توضيح وكذلك استقالة رئيس الهيئة التحكيمية حالا دون البت في القضية في هذا الأجل.

تمّ إعادة تشكيل الهيئة التحكيمية وعلى إثر ذلك تقدّمت الدولة التونسية بطلب للرجوع في القرار التحكيمي الصادر بتاريخ 18 فيفري 2011 والقاضي بإقرار اختصاص الهيئة بالنظر في النزاع وإعادة النظر في القضية من جديد وقد أصدرت الهيئة بتاريخ 13 جوان 2019 قرارا يقضي برفض مطلب المراجعة ودعوة طرفي النزاع للتوافق على رزنامة جديدة لبقية النزاع المتعلّق بتقدير قيمة الأضرار.

تمّ  الإتفاق بين الدولة التونسية ومجموعة ABCI على رزنامة تقضي بالبتّ بصفة نهائية في النزاع في موفّى سنة 2021. وفي الأثناء يتمّ تبادل التقارير التأليفية لتخصيص الهيئة حصص للمرافعة خلال شهر مارس 2021 يتم إثرها حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالقرار.

وتجدر الإشارة إلى وجود عديد محاولات ومفاوضات صلحية في طور النزاع أمام الهيئة التحكيمية منذ سنة 2016 لكنها باءت بالفشل رغم دخول البعض منها مرحلة المفاوضات الجدّية.


هيئة الحقيقة والكرامة...

تضمّن التقرير المنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية (والذي يختلف عن النسخة التي تم تسليمها للسيد رئيس الجمهورية)، ''السلوك الظالم والمتجبّر للدولة التونسية'' في هذا الملف الشيء الذي ورّط الدولة التونسية ودعّم حكم القضاء الفرنسي ضدّها.

ولابد من الإشارة أن التنصيص على مبلغ التعويضات صلب تقرير الهيئة والتأكيد على أن الدولة التونسية سوف تضطر لدفع هذا المبلغ لا تخدم مصالح الدولة التونسية بل يشكل اعترافا ضمنيا من طرفها للحد الأدنى الذي يمكن لهيئة التحكيم الحكم بها.

ورأت وزارة أملاك الدولة، أن تقرير هيئة الحقيقة والكرامة يعتبر هدما لمصالح الدولة ويلحق ضررا جسيما بالمالية العمومية يمكن أن يؤدي للإنهيار المالي.
كما اعتبرت أنّ ما جاء بتقرير هيئة الحقيقة والكرامة فيه من المغالطات والإدعاءات الباطلة ما يجعل الدولة التونسية في موقع الظالم والذي يمكن أن تنجرّ عنه ضبط مبلغ تعويضات مجحف جدّا.

وتساءلت الوزارة عن أسباب التطرق لموضوع النزاع القائم بين الدولة التونسية ومجموعة (ABCI) وتخصيص جزءا كاملا ضمن التقرير لهذا النزاع في حين أن ملف هذا النزاع هو موضوع نظر هيئة تحكيمية دولية وكان من الأجدى إلتزام الحياد والموضوعية وعدم الخوض في ذلك والتشويش على المسار التحكيمي

زد على ذلك عدم تطرّق التقرير ولو في فقرة واحدة ولو في جملة واحدة للتجاوزات التي ارتكبها عبد المجيد بودن، كتراجعه عن اتفاقيات الصلح، كإسترجاعه للــ500 ألف سهم بسعر 4.250 دينار عوضا عن 5,000 .