أي توجّه لتونس في ظل عالم متعدد الأقطاب؟
يمرّ العالم بأسره اليوم بتحولات جيوسياسية متسارعة إثر الحرب الروسية الأوكرانية التي مثلت جرس إنذار إستراتيجي لجميع دول العالم، مفاده أن النظام الدولي بعد هذه الحرب والصراعات المحتملة لن يكون كما قبله، وأن نظام متعدد الأقطاب بدأ يلوح في الأفق، وهو ما يحتم على الدول مراجعة حساباتها الاقتصادية وتحالفاتها السياسية، ومن ثم إعادة تعريف مصالحها الجيوسياسية للتكيف مع أوضاع جديدة قادرة على تأمين الاكتفاء الذاتي لاحتياجات ومتطلبات الدولة.
ولا تبدو تونس بعيدة عن هذه التغيرات الحاصلة وغير معنية بها في ظل مساعي هذه القوى المؤثرة في التموقع وتوسيع مناطق نفوذها والتي تبرز مع تسارع التحركات الغربية والشرقية إزاء بلادنا والتي تفرض على الدبلوماسية التونسية حسن التعاطي معها وفقا لمراقبين.
وبحسب السفير السابق عبد الله العبيدي، فإن الدبلوماسية هي التسويق للسياسة الخارجية والتي تنتج صلب كل الوزارات لا من قبل وزارة الخارجية فقط، فعندما تتبلور سياسة خارجية بالنسبة لإحدى الوزارات يقع الاتصال بالخارجية التي تقوم بربط العلاقات بما لها من علاقات وقنوات وجسور مع بلدان الإقامة بالنسبة للبعثات. إذ تتضمن كل سفارة أو قنصلية ضمن تركيبة طاقم عملها ملحقا اجتماعيا وأمنيا وعسكريا وتجاريا وثقافيا واقتصاديا مهمتهم رصد كل ما يطرأ في المجال الذي يهم مصالح بلادنا من خلال البحث عن المعلومات التي تبني عليها السلطة المركزية صلب مختلف الوزارات قراراتها.
واعتبر العبيدي أن تونس تبدو وكأنها غائبة ويتم الحديث عنها أكثر مما تتحدّث عن نفسها وتحولت إلى ما اسماه بالـ '''حالة un cas '' في ظل الاهتمام الدولي المتزايد بأوضاعها وأزمتها الحالية و''تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا يوحي بأنه أصبح مسؤولا عنا ..مرحبا بعلاقات ممتازة مع الشقيقة الجزائر لكن من المفروض أن يتحدث المسؤولون التونسيون عن مصالحنا وفق ما تم جمعه من معلومات وأرقام وإحصائيات مستقات من جهات رسمية تونسية وتمت معالجتها وتحليلها وملاءمتها مع مصالح البلاد وحاجياتها".
جبهة داخلية مشتتة
وأكد عبد اللّه العبيدي أن تونس فقدت شبكة علاقاتها الدبلوماسية ويجب عليها إعادة بنائها مضيفا أن تشرذم الأحزاب والنخب السياسية أدى إلى تشتيت الجبهة الداخلية بشكل لا يُوفر السند الكافي لأي قرار قد تتخذه السلطة المركزية بعد أن أصبح كل من هبّ ودب يتصل بمختلف المنظمات والجمعيات والأحزاب ويستقي الأخبار ويملي ويدعم ماليا حماية لمصالحه ولا حياة من ينادي وهو أمر يستدعي إسناد الأمن والجيش الوطنيين للسلطة السياسية بطريقة واعية على غرار ما يحدث في كل البلدان ، حسب قوله.
وأشار العبيدي إلى وجود ما اعتبره تخريبا من الداخل مبينا في هذا الصدد أن عدم الانسجام يعد تخريبا في حد ذاته وعدم التفاهم مع بقية أركان السلطة والنخبة يعد تخريبا كذلك.
وأفاد السفير السابق عبد الله العبيدي إلى أن تونس رغم صغر حجمها الجغرافي وتواضع إمكانياتها تحظى باهتمام دولي في ظل موقعها الجيو الاستراتيجي الاستثنائي إذ تتواجد قبالة مضيق صقلية وتمثل بوابة لإفريقيا جنوب الصحراء عبر ليبيا والجزائر وهو موقع يستدعي حنكة في المناورة.
وأضاف "في الفترة الأخيرة لم نثمن هذه الركائز ولم نحولها إلى منافع لتونس وهو ما يستدعي مزيد من المناورة والظهور للجهات الدولية الأخرى من شركاء وحلفاء أنها قادرة على نفعهم من خلال وساطات لحل خلافات اعتمادا على سياساتها الخارجية القائمة على الوسطية والاعتدال وسياسة عدم الإنحياز التي لا طالما عرفت بها".
قلعة إقليمية
من جهته، اعتبر وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، أن تونس بإمكانها أن تلعب دورا دوليا إذا كانت ضمن قلعة إقليمية هي المغرب الكبير وبإمكان هذه القلعة أن تؤثر على المنظومة الدولية وحين تكون معزولة فإن تأثيرها لن يكون قويا.
وأكد ونيس أن تونس لديها مصالح من الضروري أن تسهر عليها وحماية هذه المصالح يكون من خلال عدم الاصطفاف لا مع الغرب أو الشرق أو غيرهما من المعسكرات المهيمنة.
وبين الديبلوماسي السابق أحمد ونيس أن جهود تونس الحالية خارجيا، ركائزها المحافظة على مصداقيتها لدى جميع الأقطاب الفاعلة أو المرشحة لمسؤولية عالمية، إذ سجلت حضورها في القمة الأمريكية الإفريقية بواشنطن وفي القمة الصينية العربية بالسعودية ومن المنتظر مشاركتها في القمة الروسية الإفريقية المزمع عقدها في شهر جويلية القادم.
كريم وناس