languageFrançais

انهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا وتوقعات بانتخابات برلمانية مبكرة

انهار الائتلاف الحاكم في ألمانيا إثر إقالة المستشار أولاف شولتس وزير المالية كريستيان ليندنر وانسحب إثر ذلك بقية وزراء الحزب الليبرالي من الحكومة باستثناء وزير النقل فولكر فيسينغ الذي أعلن أنه سيبقى متخليا عن حزبه الذي لا يتفق معه.

خطوة قد تمهد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. لكن لقصة الخلاف جذور عميقة، فما هي؟

أسباب الأزمة المالية

اندلعت الخلافات خلال تفشي جائحة كورونا، حين وافق البرلمان الألماني ''البوندستاغ'' على قروض من أجل مكافحة الجائحة، ولكن الائتلاف الحاكم أو كما يسمى ائتلاف إشارة المرور، قرر استخدام الستين مليار أورو المتبقية من الأموال غير المستخدمة في مكافحة جائحة كورونا في تمويل سياسته المتعلقة بالمناخ والطاقة. لكن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكماً بعدم دستورية القرار وحظرت استخدام هذه الأموال.

هذه المليارات ساهمت بشكل كبير في تشكيل ائتلاف لا تتوافق معتقداته السياسية الأساسية مع بعضها البعض. الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر هما في الأساس حزبان يساريان يعتمدان على دولة قوية ويحتاجان إلى الكثير من المال من أجل السياسة الاجتماعية وحماية المناخ. أما الحزب الديمقراطي الحر، الليبرالي المؤيد للتحول الاقتصادي، فله رأي معاكس في كل المجالات تقريباً.

العثرة الأولى للشركاء في الائتلاف

من أهم المشاريع التي تم التخطيط لتمويلها عبر صندوق المناخ باستخدام الـ 60 مليار أورو، هو جعل ألمانيا رائدة في مجال حماية المناخ، عبر بناء 400 ألف شقة جديدة وتحديث دولة الرفاهية، فضلا عن تحويل دعم العاطلين عن العمل إلى إعانة للمواطنين ودعم أساسي للأطفال، وتقديم معاش تقاعدي مشترك وتثبيت مستواه عند 48 بالمائة، بالإضافة إلى زيادة الحد الأدنى للأجور والإنفاق على البحث والتطوير.

في البداية، عمل التحالف بشكل جيد، وبدأ ذلك بالتقاط صورة شخصية جمعت رئيسا حزب الخضر، أنالينا بيربوك وروبرت هابيك، وزعيم الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر وأمينه العام فولكر فيسينغ. وبعد أيام قليلة من الانتخابات الاتحادية في سبتمبر2021، نشر السياسيون الأربعة الصورة في الوقت نفسه على حساباتهم على موقع إنستغرام. وجاء في نصها: "في بحثنا عن حكومة جديدة، نقوم باستكشاف القواسم المشتركة وسد الاختلافات، وحتى العثور على بعضها أوقات ممتعة".

حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر بالذات، هما حزبان لا يمكن أن يكونا أكثر اختلافاً مما كانا عليه دوماً من حيث معتقداتهما السياسية الأساسية. 

وكان الشريك المفضل للخضر، هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي فاز في الانتخابات. ومع ذلك، لم يكن لدى الثنائي أغلبية برلمانية، لذلك كانا بحاجة إلى الحزب الديمقراطي الحر. وكان هذا الظرف هو حجر العثرة الأولى في الائتلاف. وقد اعتاد الليبراليون دوماً على التصرف بثقة بالنفس على النحو الذي يعطي الانطباع أن لا غنى عنهم.

تصاعد الأزمات واحتدام اللهجة

الوعود بإبقاء المناقشات سرية وعدم الإعلان عن إستراتيجيات متوسطة المدى، بل حلول نهائية، لم تصمد لمدة مائة يوم. ولم يواجه أي تحالف مثل هذه التحديات الهائلة من قبل. ظهور جائحة كورونا، وغزو روسيا أوكرانيا، وتوقف إمدادات الغاز والنفط، ومعاناة ألمانيا من أزمة طاقة.

وتعرض إئتلاف إشارة المرور لأول صدع كبير عندما أعلن وزير المالية ليندنر عن مقترح منح السائقين خصماً للتزود بالوقود بسبب الارتفاع الكبير في أسعار البنزين والديزل. الخطوة التي فاجأت حزب الخضر الذين أبانوا عن رد فعل غاضب وسلبي. من هنا أصبحت اللهجة أكثر خشونة على نحو متزايد.

وكان جوهر الخلافات المشكلة المالية, وقد عمل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر من أجل كبح الديون. الحرب في أوكرانيا، والمساعدات المالية والتسليحية لكييف، ورعاية اللاجئين، والتسليح الضروري للجيش الألماني، والحاجة إلى تجديد البنية التحتية في ألمانيا. لكن قائمة الاحتياجات بدت تطول أكثر فأكثر. بيد أن الحزب الديمقراطي الحر رفض الاستسلام واتبع إجراءات التقشف.

انتخابات مبكرة؟

ويواجه المستشار الألماني أولاف شولتس تحديا من منافسيه المحافظين الذين دعوا اليوم الخميس إلى طرح الثقة بحكومته أمام البرلمان الأسبوع المقبل، إلى تسريع إجراء انتخابات مبكرة بعد انهيار الائتلاف الحكومي.

وسيتعين على المستشار الألماني الاعتماد على الأغلبية البرلمانية المتماسكة لإقرار التشريعات، ويخطط لإجراء تصويت برلماني على الثقة في حكومته في 15 جانفي المقبل، مما قد يقود إلى إجراء انتخابات مبكرة في مارس 2025.

وتأتي الأزمة السياسية في ألمانيا غداة انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، مع سعي أوروبا جاهدة لتشكيل جبهة موحدة بشأن قضايا تتراوح من الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة المحتملة إلى حرب روسيا في أوكرانيا ومستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو).

كما تأتي أزمة انهيار الحكومة في منعطف حرج بالنسبة لألمانيا، في ظل تعثر الاقتصاد وتقادم البنية التحتية وعدم جاهزية الجيش.

المصدر: دوتشه فيله+ أ ف ب