languageFrançais

بترسانات عسكرية ضخمة.. الصراع الروسي الأوكراني يمهد لحرب عالمية ثالثة؟

"الحرب العالمية الثالثة ستكون نووية ومدمرة.."هذا ما قاله وزير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بخصوص نشوب حرب عالمية ثالثة بدأ الحديث عنها فعليا محذرا من أن "أسلحة  نووية ستستخدم، ودماراً واسعاً سيحل على العالم".

وقال لافروف إن روسيا لن تسمح لأوكرانيا بامتلاك أسلحة نووية وهو ما برّر التدخل العسكري حسب رأيه في عملية وصفها بالخاصة لنزع السلاح بعد أن حشدت حوالي 150 ألف جندي على الحدود استعدادا للزحف على الأراضي الأوكرانية مسلحين بخبرة قتالية كبيرة إبان الحرب في سوريا فيما تم مؤخرا رصد رتل عسكري روسي بطول 60 كلم يتقدم نحو العاصمة كييف في مشهد صادم.

خلاف حبس أنفاس العالم بين الدولتين وتساءل إثره المتابعون عن مدى قدرة أوكرانيا على التصدي للترسانة العسكرية الروسية في ظل دعم غربي قد يشعل نيران الحرب على نطاق عالمي؟

 

 

قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري في أوكرانيا يعتبر منعرجا حادا في تاريخ العلاقات بين الجارتين التي لطالما شابها التوتر منذ العصور الوسطى وتخللته محطات عديدة ساهمت في تطور الأوضاع على غرار استقلال أوكرانيا عن الإمبراطورية الروسية سنة 1917 إثر سقوطها قبل أن تعيد روسيا السوفيتية احتلالها مجددا على يد لينين.

تاريخ الصراع

استقلال أوكرانيا سنة 1991 عن الاتحاد السوفياتي رفقة عدد من الدول الأخرى حسم نهاية روسيا السوفيتية التي تفككت في العام ذاته قبل أن تهدأ الأوضاع نسبيا في التسعينات إلى حدود 2004 عندما اندلعت "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا احتجاجا على مشاركة فيكتور يانوكوفيتش في الرئاسيات بعد شبهات تزوير وفساد المالي وولاء غير معلن للجانب الروسي.

 

 

محاولات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش ضم أوكرانيا لحلف الشمال الأطلسي سنة 2008 لم تكن آخر مظاهر التقرب الأوكراني من الغرب خاصة بعد توقيع اتقافية تعاون مع الاتحاد الأوروبي لم تلق ترحيبا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي مارس ضغطا اقتصاديا رهيبا قاد إلى تجميد الاتفاقية سنة 2014.

قرار أشعل احتجاجات كبيرة على الحكومة الأوكرانية أطاحت بالرئيس يانوكوفيتش، الذي فاز بالمنصب سنة 2010، وأنتج فراغا في السلطة تحركت إثره موسكو لضمّ شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا إلى سيادتها وانطلق الحشد العسكري على الحدود من الجهتين خاصة مع توتر الأوضاع في إقليم الدونباس الغني بالمناجم وإعلان منطقتي دونيتسك ولوغانسك استقلالهما عن أوكرانيا عام 2014 قبل أن يعترف بوتين مؤخرا بالدولتين ويرسل قواته لـ"حفظ السلام في المنطقة" بعد سنوات من الصراع العسكري في المناطق الحدودية رغم اتفاقتي "مينسك" 1 و2 الراميتين إلى وقف النزاع بين كل الأطراف.

 

الناتو على الخط

غير أنّ الحديث المتواصل عن انضمام أوكرانيا لحلف الشمال الأطلسي ( (NATO) ودعم دول الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لها على غرار مدّها بصواريخ مضادة للدروع وأخرى للدفاع الجوي، إضافة إلى ألفي قاذفة صواريخ مضادة للدبابات ومساعدات مالية تجاوزت 400 مليون دولار، اعتبره بوتين تهديدا مستمرا لروسيا خاصة وأنّ التحالف العسكري الدولي لم يفنّد هذه الإمكانية.

كما وقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بداية مارس الحالي طلبا رسميا للانضمام للاتحاد الأوروبي ساعيا لحشد أكبر نسبة من الدعم العسكري واللوجستي من دول الغرب وسط مخاوف من صدام القوى بين الشرق والغرب واندلاع حرب بتوازنات عسكرية رهيبة لا يمكن التكهن بتداعياتها وهو ما أكّده الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام من الهجوم الروسي على أوكرانيا: "الأمر سيكون بمثابة حرب عالمية عندما يبدأ الأميركيون والروس بإطلاق النار على بعضهم".

 

 

الدول المنضوية تحت راية الناتو وفي مقدمتها الولايات المتحدة تمكن الحلف من وضع يده على ترسانة عسكربة ضخمة بمشاركة 27 دولة خاصة فرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وتركيا وألمانيا وإسبانيا وكندا في الوقت الذي تحتل فيه روسيا المرتبة الثانية في تصنيف موقع GlobalFirePower الخاص بالقوة العسكرية للدول في العالم خلف الولايات المتحدة الأمريكية متصدرة الترتيب.

التوازنات العسكرية

تعدّ الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوّة عسكرية في العالم بجيش قوامه حوالي 1.4 مليون جندي و13233 طائرة حربية، بينها 1956 مقاتلة، و761 طائرة هجومية و5436 مروحية عسكرية منها 904 مروحية هجومية.

ولدى الجيش الأمريكي أكثر من 6100 دبابة و40 ألف مدرعة، إضافة إلى 1365 راجمة صواريخ لتبلغ ميزانية الدفاع ومعدل الانفاق السنوي للجيش الأمريكي 740 مليار دولار بينما تختلف الأرقام بخصوص الترسانة النووية الأمريكية لكن موقع Atomic Scientists’ Nuclear Notebook يقدرها بـ 5800 سلاح نووي.

 

 

أما فرنسا ثاني دول الناتو قوة وسابع قوةّ عسكرية في العالم بجيش قوامه 205 آلاف جندي و35 ألفا آخرين في الاحتياط ، تبلغ ميزانيتها المخصّصة للدفاع  40.9 مليار دولار وتمتلك 1055 طائرة عسكرية، من ضمنها 266 مقاتلة و435 مروحية منه 69 هجومية، وتقدّر القوّة النووية الفرنسية بـ 300 رأس نووي.

في الوقت ذاته، تعدّ المملكة المتحدة جيشا قوامه 194 ألف جندي، فيما يبلغ عدد جنود الاحتياط 37 ألفا ويمتلك الجيش البريطاني 693 طائرة عسكرية منها 119 طائرة مقاتلة و23 قاذفة كما يمتلك 235 مروحية، 24 منها هجومية.

بالإضافة إلى 200 رأس نووي وتبلغ ميزانية الدفاع البريطانية 68 مليار دولار.

روسيا.. الأولى نوويا

في الجهة المقابلة، تمتلك روسيا جيشا قوامه 850 ألف جندي بالإضافة إلى أكثر من 12 ألف دبابة وأكثر من 30 ألف مدرعة فيما يحوز سلاح الجوّ على 4173 طائرة عسكرية، منها 722 طائرة مقاتلة و739 قاذفة. ويبلغ عدد مروحيات الجيش الروسي 1543 مروحية، منها 544 من النوع الهجومي.

وعلى مستوى القوة النووية، يُعتقد أنّ روسيا تمتلك أكبر عدد من الأسلحة النووية من بين الدول التي تمتلك هذا النوع من السلاح، يقدّر بـ 6370 سلاحا نوويا.

 

ورقة الصين قد تقلب المعطيات

عقوبات بالجملة فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على روسيا كردّة فعل على التدخل العسكري في أوكرانيا من أجل تضييق الخناق على الاقتصاد الروسي وهو ما تسبب في سقوط حر للروبل الروسي أمام الدولار الذي تجاوز 113 روبل.

غير أنّ بكين لم تدعم إلى حد الآن أيّا من هذه العقوبات ضدّ موسكو في مواصلة للمنحى ذاته الذي سارت عليه قبل انطلاق الحرب عندما وقع قطبا الشرق اتفاقيات تاريخية بالجملة أعلنت عن تحالف اقتصادي غير مسبوق تمحور بالأساس حول صفقات الغاز الطبيعي والبترول بمئات المليارات من الدولارات كسبت به روسيا أسهما جديدة في واردات أكبر مستهلك للطاقة في العالم وهو ما يمكن أن يمثل حبل نجاة بوتين في ظلّ كل محاولات العزل التجاري وتجميد الأصول الروسية.

أما على المستوى العسكري، تحوز الصين على ترسانة ضخمة تضعها في المركز الثالث في تصنيف القوى العسكرية في العالم عززته الصين بتوسع نووي وصفته وزارة الدفاع الأمريكية بـ" ثالوث نووي "، في إشارة إلى إمكانية تطوير الصين لأسلحة نووية برا وبحرا وجوا وتبلغ ميزانية وزارة الدفاع الصينية 250 مليار دولار.

 

الأوجه الجديدة للحرب

يتواصل الحديث عن إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة بين القوى العالمية غير أنّ القوة العسكرية ليست العامل الوحيد لترشيح طرف على الآخر في ظل استحداث وسائل ضغط حديثة وتطوير أسلحة تقنية واستراتيجية على غرار القرصنة الالكترونية والأقمار الصناعية للتحكم والتأثير في الأنظمة والاتصالات وغيرها.

ورغم توقيع اتفاقيات دولية تلزم بالامتثال لحظر الأسلحة البيولوجية والكيميائية بسبب آثارها الفتاكة إلاّ أنّ الاتهامات بين دول الشرق والغرب بشأن تطوير الفيروسات (فيروس كورونا مثالا) أعاد إمكانية استخدام هذه الأسلحة إلى الواجهة، في انتظار نتائج المفاوضات الجارية في بلاروسيا التي يؤكد أغلب المحللين على وصولها إلى طريق مسدود إلى حد الآن.

طه ساسي